الكاتب : مازن بلال

النفاذ إلى المشهد الليبي لا يشغل بال الإدارة الأمريكية فقط، بل يأخذ اتجاها يتجاوز الأزمة في طرابلس أو تواجد الرئيس معمر القذافي في منطقة محددة من طرابلس، لأن ما حدث في الشمال الأفريقي يحمل اليوم فرصة لاتخاذ مسار خاص بالنسبة للسياسات الدولية بعد أن كانت منفعلة بالحدث دون ان تستطيع التدخل لـ"صناعته" أو حصر احتمالاته وفق سياق واحد، ومن جانب آخر من المستبعد أن يكون الحسم العسكري حلا مطروحا في القريب العاجل، لأن الهدف الأساسي هو ترك "المناخ الليبي" يصل إلى مستوى يتيح التدخل السياسي قبل أن يتم اعتماد الحل العسكري.

عمليا فإن مسألة التدويل كانت مغرية منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة الليبية، فالتغير المحتمل في ليبيا يحمل مؤشرين: الأول اكتمال التخلخل في الشمال الإفريقي وهو ما يفتح احتمالات متعددة بالنسبة لواشنطن وحتى بالنسبة لحوض المتوسط التي ترى فيه فرنسا على الأقل مجالا هاما بالنسبة لها، وربما مؤثرا في مستقبل علاقاتها مع كل من الجزائر والمغرب، أما المؤشر الثاني فهو نموذج الثورة في بلد نفطي ويزعم الرئيس الليبي على أنه يحمل توازنا قبليا، وهذا الأمر يتكرر في عددا من دول الخليج التي أبدت قلقا من مسألة "الثورات" بعد أن ظهرت الاحتجاجات في البحرين واليمن ومؤخرا في عُمان.

بالتأكيد فإن الولايات المتحدة ترى أن مسألة التدخل في الموضوع الليبي أكثر من ضروري لاعتبارات "إستراتيجية" بالنسبة لها، فليبيا أدخلت ما يسمى "الثورات الشعبية" إلى حالة من "الديمينو" لكنه "عنيف" وهو ما يجعل التغيير يحمل تداعيات غير محسوبة، وعلى عكس النموذجين المصري والتونسي فإن احتمالات التعامل الدبلوماسي والمناورة السياسية تبدو صعبة جدا، ومن هنا فإن البحث عن التدويل سيوجد شرعية مختلفة للتدخل تحت جناح إنساني يشبه إلى حد بعيد التدخل في "الحرب اليوغوسلافية"، وربما نستطيع تفسير التردد الدولي في إصدار مواقف من الحدث الليبي لانتظار التطورات التي كان من الممكن حسب توقعات القذافي أن تتحول إلى "حرب أهلية"، لكن الأمر لم يسر وفق هذا الخط وهو ما جعل العامل الإنساني هو المعبر الأساسي لهذا الموضوع.

الفرصة السياسية بالنسبة للولايات المتحدة يتم تقديمها عبر عدم قدرة النظام العربي بحالته الراهنة على تدارك ما يحدث، واستجابته جاءت مشابهة لباقي المنظمات الدولية، واليوم لن ينفع إصدار مواقف ضد التدخل الأجنبي، لأن المطلوب هو "مبادرة" تجاه الشعب الليبي، ويبدو تصريح الأمير القطري معبرا عن واقع سياسي يتخذ مساحة مفتوحة للتدخل الدولي، فالنظام العربي حسب تعبير يعاني ضعفا خلال الثلاثين السنة الأخيرة!!!

هل سيملك النظام العربي جراة نتيجة الحدث الحالي؟ الأمر إن لن يبدو مستحيلا فهو سيبقى بعيدا وربما متأخرا، لكن الرهان الوحيد الذي نملكه هو في قدرة الشعب الليبي على التعامل مع هذا الموقف بشكل يحفظ بالفعل وحدة وسلامة الأراضي الليبية.