الكاتب : نجيب نصير

لقد تم النظر الى جرائم الشرف من الكثير من الزوايا، الاجتماعية والقانونية، وتمت قراءتها على أكثر من صعيد، حيث تمت مقارعة إستثنائيتها من المحاسبة الكاملة على أسس تخفيفية قانونية فقط، ولكن إذا نظرنا الى الدساتير العربية، نلحظ أن جميعها يتمتع بفكرة الكفالة، أي كفالة الدولة الممثلة للمجتمع وبإجماعه للحياة الإنسانية بتجلياتها وممارساتها الإنسانية المنظمة بالقانون، وحيث الجسد الإنساني مكفول من قبل الدولة عند استخدامه بحرية كفلها الدستور ونظمها القانون الذي لا يشترط عذرية الأشخاص ذكورا كانوا أم إناثا ولا تشترط أي طريقة لاستخدام الجسد الإنساني أو العلاقات البشرية في ظل القانون، (في حال من المساواة كفلها الدستور أيضا)، فأي جريمة شرف تقع هي جريمة مقوضة للدستور، لأنها تنزع عنه كفالته للحياة التي ترعاها الدولة، ومن هنا تبدو المحاسبة المخففة لجريمة الشرف كاستثناء غيرمنطقي، حيث يمكن سحبها على أي فعل إجرامي يلقى مباركة من التقاليد الاجتماعية التي يمكن توصيفها بما قبل الدولة وهي حالة اجتماعية ثقافية جاء ت الدولة لتنظيمها حتى ولو أدى ذلك الى زوالها، فالقبول بحالة التقدم (الدولة ومستتبعاتها) يجب عن يقابله تنازل عن ما يؤدي أو قد يؤدي الى زعزعة الثقة بها، فالدستور وفي المقام الأول هو عبارة عن تسليف للثقة بمفاعيله من قبل المجتمع، وعلى الاستثناءات القانونية (مثل حالات الثأر أو جرائم الشرف) أن تكون مؤقتة ومحدودة المدة في حال تم النظر الى المشكلة من ناحية ثقافية يجب التخلص منها، حيث يقوم القانون بأداء تربوي على نسق (وليس على رتل أو طابور) كي ينضوي المجموع تحته دون استثناء، وأن تنضوي الحالات الجرمية تحته أيضا دون استثناء. بحيث لا يتسامح أو ينظر الى الجرائم المقوضة للدستور بأية صفة استثنائية، خصوصا أن جريمة الشرف تتم عن سابق تخطيط وترصد، وعلى الذي لا يستطيع ضبط نفسه تجاه حق التصرف القانوني للآخرين بأجسادهم وعواطفهم أن يدفع الثمن كاملا، وإلا كان الدستور نفسه عرضة للتقويض في عودة الى مرحلة ما قبل الدولة، فإذا كان هؤلاء الآخرون مخطئون بالتصرف بأجسادهم وعواطفهم، فإن هذا الخطأ إما أن يكون قانونيا، أو أنه لا وجود للخطأ نفسه، حتى ولو أجمعت تقاليد وأعراف الأرض على إعتباره خطأ ، فإما القبول بمنطق الدولة التي نسلفها الثقة مقابل حمايتنا وتنظيم أمورنا، أو العقاب ثمنا للخروج عن ما اتفقت عليه (وليس ما تصالحت عليه) الجماعة البشرية .

جريمة الشرف هي جريمة بحق الدستور، لأنها تلغي حقوقا منحها للمواطنين بواسطة الفعل الجرمي الذي لا يمكن ضبطه إلا تربويا، فإذا كان الناس لا تعي أنها تخرب عيشها الاجتماعي بيدها عبر تخريبها للدستور، فإن مفهوم القتل التقليدي سوف يطالها من خلال الفوضى المصنوعة اجتماعيا التي تنتجها ثقافة اجتماعية لا يطالها أي قانون أو دستور في حال تم النظر إليها كأمر واقع أو كمحاولة لإرساء نظم حقوقية هي على عكس الدستور تماما.

لم تنته جرائم الشرف، ليس لان القانون لا يطالها إلا بطريقة استثنائية مخففة، بل لأن الحق بالجسد البشري والعواطف البشرية هو حق أصيل عند الإنسان وسوف يظل يمارسه بجرائم شرف أم دونها، ومن هذا الباب أي من باب الحق الأصيل لم تصادر الدساتير هذه الحقوق وإن نظمتها في وقائع أو حالات محددة. فما معنى أن يكون للإنسان حق شرط أن لا يستطيع ممارسته!