الكاتب : مازن بلال

ما يحدث على طول الأراضي الليبية لا يرتبط فقط بشان سيادي ليبي أو بجغرافية يعتقد الرئيس الليبي أن يمارس حقه في تثبيت سلطته، فالحدث الليبي يملك شقا آخر مرتبط بالزمن الجديد الذي دخلت إليه المنطقة من خلال تحولات سياسية لا يمكن اعتبارها حالات إقليمية فقط، أو ثورات لتغير الأنظمة السياسية، فما شهدناه عبر شهرين هو بناء مختلف عما سبقه في مجال الحراك الاجتماعي، والرئيس الليبي بغض النظر عن أي نقاش متعلق بـ"الشأن الداخلي" أراد "إزاحة الزمن" عن سياقه الطبيعي.

بالتأكيد هناك نوع من العنف غير مألوف في المنطقة عموما، وهو برأي البعض يحاكي النموذج الإفريقي لكنه في المقابل يسير في مجال يبتعد عن كونه "إفريقيا" بالمعنى الحرفي للكلمة، فليبيا دولة مارست أدوارا متعددة وذلك بغض النظر عن المواقف من هذه الأدوار، والرئيس الليبي تعامل مع كل الحركات العربية والعالمية، وهو يعتقد أيضا أنه "صاحب نظرية" مكتملة ودون الحاجة ليستكمل دراسته في العلوم الإنسانية، ووفق هذا الموقع الليبي فإن ما نواجهه اليوم "ظاهرة" ربما تتبدد سريعا لكنها بالتأكيد ستترك آثارها على "ظاهرة أخرى" تبلورت ما بين تونس ومصر وانتشرت في مساحة العالم العربي.

عمليا فإن الحديث عن "موجة عربية" و "ظاهرة عربية" تدخل اليوم في المجال الليبي الغامض، على الأخص أن الرئيس القذافي تحدث منذ البداية عن "عملية تطهير" وهو مصطلح ربما لا ينطبق فقط على الأراضي الليبية بل يشمل "الظاهرة" ككل التي تملك آفاقا لا علاقة لها بالسياسة فقط أو بمسألة صراع الرئيس الليبي من أجل سلطته، ففي اللحظة التي دخل فيها "حربا" مع مجتمعه أصبحنا أمام احتمالين لتطور "الظاهرة العربية":

الأول التدخل الدولي الذي سيشكل سابقة بالنسبة لهذه الظاهرة، وتداعيات التدخل ستؤثر على طبيعة أي تحول عربي لأنه سيشكل عاملا مشجعا بالنسبة للإستراتجية الدولية كي تضيف عوامل إلى الحراك الاجتماعي كي تستطيع التحكم بنتائجه، فالثورة المضادة الحقيقية تتبلور اليوم من خلال ما يحدث في ليبيا، فالمؤسسات السياسية المحلية لن تكون قادرة على إحداث مثل هذه الثورة، والعامل الدولي هو الوحيد القادر على خلق ظرف يتيح ظهورها.

الثاني دفع الحدث الليبي إلى نموذج من الانقسام، ورغم أن اللحظة الراهنة لا تحمل مثل هذا الاحتمال لكن طول القتال وعدم إتاحة الفرصة لبلورة تشكيل سياسي في ليبيا ربما يدفع إلى مثل هذه الأمور، فهل يراهن الرئيس الليبي على مثل هذا الأمر؟ ربما فالحلول أمامه ضعيفة، وإطالة فترة غياب المؤسسات السياسية سيقود في النهاية إلى نشوء عصبيات مختلفة، وانعكسا هذا الأمر على الوضع العربي ربما سيشبه ما جرى في العراق عندما تم فرض الديمقراطية على طريقة المذاهب والأثنيات.

ليبيا اليوم ليست معزولة، والحلول أيضا لن تكون بيد المؤسسات السياسية العربية التقليدية، وربما يشكل دعم ليبيا حدا للاحتمالين السابقين، وهو دعم على المستوى الاجتماعي بالدرجة الأولى، لأنه الوحيد الذي سيجعلها قادرة على الحفاظ بتلك الظاهرة التي بدأت من تونس... دعم اجتماعي يذكرنا بالحرب على غزة والدعم الذي ظهر نتيجة الحصار، فهي ماتزال صامدة وشكلت في نفس الوقت نموذجا ربما يتكرر اليوم في ليبيا.