الكاتب : جورج حاجوج

الليبيون ثوار.. أما المصريون والتونسيون فهم ثائرون ومحتجون ومتظاهرون ومعتصمون و.. هكذا يمكن وصف الفارق بين ما حصل ويحصل في ليبيا، وبين ما حصل ويحصل في مصر وتونس!.

في مصر وتونس ابتدأ الثائرون سلمياً ومن دون استخدام أي سلاح، اللهم إلا من استخدام الحجارة فقط، واستمروا سلمياً واستطاعوا أن يطيحوا بالنظامين ويفككوا أركانهما، وهم ما زالوا ـ وهذا يُسجل لهم ـ يسقطون الحكومة تلو الحكومة والوزارة تلو الوزارة، وبالتظاهر والاعتصام السلميين.

في ليبيا، ابتدأ الثائرون بالتظاهر السلمي والاعتصام ورفع الشعارات، لكنهم لم يستطيعوا أن يكملوا سلمياً، ليس لأنهم "عدوانيون أو إرهابيون أو عملاء لإسرائيل حسب القذافي!" إنما لأن النظام نفسه استدرجهم قسراً إلى استعمال السلاح، لأنه لم يستطع أن يرى في التحرك السلمي والتظاهر إلا تمرداً وثورة وخروج عن الطاعة، وهذا ما دفعهم ـ أي الثائرين ـ للتحول من ثائرين على الطريقة المصرية والتونسية إلى ثوار يحملون السلاح ويقاتلون، لتشتعل في ليبيا ما يمكن تسميتها بـ "حرب تحرير شعبية"!.

في مصر وتونس هناك سوابق كثيرة لمظاهرات واعتصامات، وهناك أحزاب سياسية وحراك سياسي وصحف معارِضة ومعارَضَة.. أي أن النظامين اعتادا في تجارب سابقة على الصدامات والمواجهات بين أجهزتهما والمتظاهرين، وهذا يعني أن هناك تجارب سابقة، لكنها بالتأكيد لا ترقى إلى ما حصل في الشهرين الماضيين في كل من البلدين.

في ليبيا، هناك "ستاتيك سلبي" أرساه وفرضه النظام منذ 42 عاماً على قاعدة "توليفة غريبة وعجيبة وطريفة.. لجان ثورية وكتاب أخضر وحكم الشعب و.. و.." ولا وجود لأحزاب سياسية ولا لحراك سياسي ولا لصحف معارِضة أو معارضة ولا لجمعيات تنشط في السر والعلن "باستثناء الخارج".. كل هذا لم يكن موجوداً.. لم يكن هناك سوى بعض "المزحات الثقيلة السّمجة" التي كان يطلقها سيف الإسلام القذافي بوصفه "رائد الإصلاح والتجديد والحرية والديمقراطية والمعاصَرَة!!".

في مصر وتونس بدأت التظاهرات سلمية ولا شك في أنها ستستمر إلى أن تتحقق مطالب الثائرين وسلمياً أيضاً، ولا مكان عندهم للغة السلاح والرصاص.. ولذلك فإن عدد شهداء الثورة في البلدين، لا يمكن مقارنته مع عدد الشهداء الذين سقطوا حتى الآن في ليبيا، والذين يرتفع عددهم يومياً بسبب وجود السلاح الذي أراده وفرضه النظام لغة وحيدة للحوار!.

التجربة "السياسية والحزبية والديمقراطية" في كل من مصر وتونس "على علاتها" لم تترك مجالاً للنظامين لفرض لغة السلاح والرصاص، وعلى الرغم من محاولتهما ذلك في بداية الثورتين، لكن الثائرين قطعوا عليهما الطريق، وواجهوا السلاح بالصدور العارية والمطالب المُحقّة، وكانت النتيجة مئات الشهداء، وهذه ربما تكون ضريبة طبيعية للتغيير.

في ليبيا، لا يمكن الحديث عن أية "تجربة سياسية وحزبية وديمقراطية" إذ أن المسار الليبي كان محكوماً بعد الاستقلال بحكم ملكي لا يعرف شيئاً عن مثل تلك التجربة، وانتهى في عام 1969 بصعود القذافي سدة الحكم، وفرضه تلك التوليفة في آلية "حكم الشعب نفسه بنفسه".. والنتيجة؟! غياب أي شكل من أشكال الأحزاب أو الحراك السياسي أو المعارضة في الداخل، ومعه غاب كل شكل من أشكال اختبار التعامل مع معارضة أو ما يشبهها، ومع هذا الغياب لم يكن هناك سوى الحضور الطاغي للقذافي وأسرته ولجانه الثورية الشعبية و.. كتابه الأخضر!.. الاختبار الأول والوحيد فقط يمكن مشاهدته في ما يحصل في ليبيا اليوم.. "حوار السلاح والدمّ" المسؤول عنه مباشرة صاحب التوليفة وأركان حكمه!.

إذاً، لا غرابة في أن يُسجل للقذافي ولابنه سيف الإسلام أنهما ومرة واحدة فقط، ومن خلال كل إطلالاتهما الإعلامية بعد اندلاع الثورة، تحدثا ـ عن معرفة ـ بما هو صحيح ودقيق وموضوعي.. ليبيا ليست مصر أو تونس!!.