الكاتب : نجيب نصير

يتراكض الكثيرون خارج مصر للكتابة عن "الثورة" المصرية، حيث أمتلأت أعمدة الصحف بمقالات لم يستطع أصحابها تجاهل الحدث، ولكن ماذا يكتبون وعن ماذا؟ ربما كان هذا السؤال هو تلخيص لكل من قارب الحدث المصري ولو على سبيل الواجب، فتركمت المقالات والتحليلات وردود الأفعال المتشابهة، ولكنها في جلها وغالبها لا يقول شيئا مما جرى هناك، حيث بدت تماما كالجد العائد من السفر يحلم كل فرد من أبنائه وبناته وأحفاده وحفيداته بالهدية التي تناسبه، ويبدو كل واحد منهم قد أظهر أكثر ما يستطيع من الفرح استعدادا لاستقبال الجد الذي يحمل تلك الهدايا المحلوم بها، والتي لم ولن يفصح عنها للآخرين، ولسوف يردد أن مجرد عودة الجد خير وبركة .

قبل انجلاء النقع وانفضاض الحشد، أيقن جمع غفير من الكتاب والمهتمون أن هذه الثورة عروبية سوف تعيد مصر الى ما قبل كامب ديفيد، مع اعترافهم أن منظمي هذا الحراك كلهم من مواليد ما بعد كامب ديفيد وهذا ليس مهما على أية حال، ولكن المسألة الأساسية هنا أن يضع كاتب بعيد ألاف الكيلومترات هدفا لثورة من المفترض ان تضع هي أهدافها وتسعى لتحقيقها، ولأن الحس "الإستشرافي" الخارق دفع بهؤلاء إلى ما يشبه قراءة الطالع كي يقولوا لنا أن مصر عادت الى الصف العربي ولسوف تعيد افتتاح جبهتها مع عدونا الصهيوني بالتزامن مع افتتاح معبر رفح، فإنه علينا الانتظار ردحا من الزمان كي نقول أن هؤلاء الكتاب على حق، وإذا لم يحصل فإن الغرب ضغط كي لا يتحقق المنى.

من جهة أخرى يبدو هؤلاء يقرؤون الأخبار والخبريات والمشاهدات بمقاييس قديمة عفا عنها الزمن كاسترجاع الزمن الناصري أو غيره، بفهم لا يمت إلى ما يجري لا في ميدان التحرير ولا في مصر كلها بصلة، فيقرؤون ما حصل وكأنه من كليلة ودمنة في مقاربة للأمثال وللأقوال المأثورة التي لم تترك شيئا إلا وحكت عنه، هكذا وبخلاصات رشيدة نصل إلى الزبدة أو النتيجة أن الثورة رفعت رأس العربي أما كيف ولماذا وأين فهذا ليس مهما.

لم يقل أحد أن مصر أم 85 مليونا والتي تعيش على 4% من أراضيها وتستأثر حفنة بـ 50% من مواردها وأن الفساد أصبح خانقا ومهينا..الخ، أنها بحاجة إلى تنمية حقيقية على كافة المستويات والفعاليات الاجتماعية وصلت الى الطريق المسدود المحسوب بالعقل وليس بالتنجيم، كما لم يقل أحد أن مطالب الثورة كانت تتلخص بمطالب التنمية الاجتماعية (الاقتصادية والسياسية والثقافية والحقوقية) بل سارعوا ومن فورهم الى تحويلها الى صور شعرية جميلة كرفع رأس العربي وخوف الصهاينة وارتباك الولايات المتحدة، بينما تبدو الحقيقة أن المجتمع المصري أمامه مهمة صعبة ومرهقة لإعادة بناء حياته على أسس معاصرة، يستطيع بسببها إعلان هويته عبر إنتاجه.

لم ترفع الثورة أية شعارات تخص فلسطين أو العروبة ولا حتى كامب ديفيد ولا معبر رفح، فمن أين أتى هؤلاء بكل هذا ؟

بلا شك أن مصر الشبعانة المنيعة المنتجة سوف تصل الى خيارها الإستراتيجي بالعلاقة مع الكيان الصهيوني ، وسوف تعرف بالعقل أن هذا لكيان يمثل خطرا وجوديا على مصر الأمة (مشكلة مياه النيل مثلا) حيث سيبدأ الصدام معه مع أول محاولة صادقة لتحقيق أي نوع من أنواع التنمية ، أما وهذا لم يبدأ بعد ، فالمندل ليس بديلا عن الأرقام ،وليس بديلا عن الواقع المعاش الذي ينجب مطالب محددة رفعت في ميدان التحرير ، وليس لأحد أن يجعل من أمنياته أهدافا تحققت بسبب ثورة مصرية حصلت لأسباب مصرية خالصة وتنتظر من نفسها نتائج مصرية خالصة.