الكاتب : نضال الخضري

هناك طريقة واحدة بالنسبة لي على الأقل لرؤية "السلطة" على النموذج الليبي مثلا، فشريط الأحداث يقودنا أحيانا أربعة عقود للوراء، فأرى الحياة قبل أن تصبغ "السلطة صورتها على وجه الرئيس الليبي، وأشاهد تفاصيل الوجه المسرور بقيادته والقادر على المباهاة بقدرته على تحقيق توازن مع محيط خاض ثورات سابقة، لكن معمر القذافي وبتجاوز زمني لا تحققه إلا الأفلام الوثائقية يفقد تلك المساحة من "السعادة" و "الحبور" التي ميزت حضوره على الأقل في زمن كان العالم العربي يبحث عن مخارج له بعد حرب عام 1967.

السلطة وحدها كونت ذلك الوجه الغاضب اليوم، وأفقدت الصوت حساسيته تجاه المواطنين وليبيا، وأتساءل أحيانا كيف تكونت تلك القسوة.. هل بفعل الزمن فقط؟ وهل الحياة المتجمدة على تفاصبل العينين هي فقط من جراء السنوات والتقدم بالعمر؟ وإذا استطاع الزمن فقط تفسير الملامح القاسية فكيف نفسر فقدان الإيقاع الخاص لقائد ثورة فخور بشعبه ليصبح الأمر عنده مجموعة من المصطلحات التي وصلت في إصدارها الأخير إلى كلمة "الزنادقة"، علما أنه يتهم نفس هؤلاء الزنادقة بمحاولة إقامة "إمارة إسلامية".

في تحولات السلطة هناك ملامح لا علاقة لها بالعلوم الإنسانية، وعلى ما يبدو أنها خارجة من إطار التفكير الموضوعي لأنها تتعلق بطبائع البشر بعد أن يمتد الزمن بهم فيصبح الشخص متوحد مع سلطاته، وهو أمر لا يرتبط بالضرورة بالسلطة السياسية ففي النموذج الأبوي يصبح الاحترام المتبادل والتفاهم والحوار مرهونا بفقدان التوازن، فمن يحتكر الحقيقة، أو السلطة، هو الذي يفرض كل ظروف المشاركة، وبعد أربعة عقود تنتهي تلك السلطة المتعارف عليها في علم السياسية لتصبح شكلا غير مألوف وضمن شرط "ليبي خاص" يشعر فيه الرئيس القذافي أنه غير ملزم إلا بقضية استمراره.

البعد الإنسانية هنا يبتعد كثيرا عن مسألة التفاعل والتماس ما بين "الزعيم" و "البشر، ليصبح حالة من امتصاص الحق من وجوه الآخرين، وتتكون على الوجه جفاء مع حركة وحيوية الحياة، فهناك نقطة زمنية توقف كل شيء عنها وبقي اللون الأصفر يغشي العين، فكيف يمكن لأحد أن يرى الآخرين في مثل هذا الظرف.

يدهشني الرئيس الليبي في انتقاله ما بين الغضب في خطاباته الأولى وبين الهدوء المميت الذي يميز أحاديثه الصحفية، ويصعقني قدرته على تجاوز الشعب الليبي فتبدو كلماته مرهونة بالآخر وأمن الآخر وعلى الليبيين السلام، فهل نحن أمام نفس الشخص الذي نشاهده في التسجيلات بالأبيض الأسود قبل أربعين عاما؟

هو وحده الرئيس الليبي الذي يحمل فجاجة التغيير رغم أن حسني مبارك وزين الدين بن علي ضربهم ذلك التبدل، لكنهم كانوا قادرين على استخدام تعبير خاص فحاولوا على الأقل بالكلمة أن يعيدا الاتصال مع المجتمع، لكن قسوة الوجه كانت تفضح زيف الحالة.

في قراءة السلطة ضمن الثورات الحديثة ربما علينا أن نكون حذرين من إسقاطها على نظريات ظهرت في أوروبا، ففي ليبيا هناك تماه مطلق بينها وبين "الله" في مفهومه الكلي!!!