خرج اليمنيون أمس إلى الشوارع للمطالبة بتنحية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في ’جمعة اللاعودة’، بعدما تحوّل يوم الجمعة من كل أسبوع إلى عنوان للتظاهرات المليونيّة.

وانزلقت الاحتجاجات إلى دائرة العنف في مدينة عدن الجنوبية حيث أصيب شخصان بأعيرة نارية وأغشي على ثلاثة جراء الغاز المسيل للدموع بينما حاولت الشرطة تفريق ألوف المحتجين.

وتدفق اليمنيون على الشوارع والأزقة المحيطة بجامعة صنعاء في أكبر احتجاج تشهده العاصمة منذ بدء المظاهرات في يناير كانون الثاني. وقتل نحو 30 شخصا منذ ذلك الحين. لكن عشرات الآلاف من الموالين لصالح تجمعوا أيضا في ميدان التحرير بصنعاء رافعين صور الرئيس.

وقدر مراسلو وكالة رويترز عدد المشاركين في الاحتجاج بأكثر من 40 ألفا. وقام عشرات الآلاف بمسيرات في تعز وإب إلى الجنوب من العاصمة. ولم يعر المحتجون خلال اليوم الذي أطلقوا عليه ’جمعة اللا عودة’ اهتماما لما عرضه صالح أمس الخميس من صياغة دستور جديد يجري الاستفتاء عليه هذا العام وإجراء إصلاحات انتخابية.

وكانت قوات الأمن اليمنية اقتحمت فجر اليوم ساحة التغيير في العاصمة صنعاء وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المعتصمين داخلها مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة مئات الأشخاص الذين يطالبون بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح.

وذكرت صحيفة مأرب برس أن المحتجين كانوا قد تلقوا وعودا بالحصول على 50 ألف ريال يمني (233 دولارا) لكنهم حين لم يحصلوا عليها بدأوا يهتفون ’الشعب يريد إسقاط النظام’.

وفي مقابلة من المقرر أن تنشرها مجلة ’مدعومة’ من الدولة اليوم السبت حث السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين المحتجين على المشاركة في حوار مع الحكومة بشأن’مستقبل اليمن. وتساءل السفير ’سؤالنا دائما.. إذا رحل الرئيس صالح فما الذي سوف تفعلونه في اليوم التالي؟’.

ورحبت الولايات المتحدة بالخطوات التي أعلنها الرئيس اليمني وحثت جماعات المعارضة على التجاوب مع المبادرة وإجراء حوار جاد لإنهاء المأزق الحالي.

وذكر البيت الأبيض أن مستشاره لمكافحة الإرهاب جون برينان اتصل بصالح وأكد له أن المبادرة محل ترحيب وطالب الطرفين بتفادي العنف.

ودعا المعارضة إلى الرد بشكل بناء على الخطوات التي أعلنها صالح والمشاركة في حوار جاد لتجاوز الأزمة الراهنة.

وتخشى الولايات المتحدة أن تؤدي الإطاحة بصالح إلى فراغ في السلطة يستغله المتشددون الإسلاميون في البلاد.

على صعيد آخر، وبالتزامن مع الاحتجاجات المطالبة بتنحي صالح عن السلطة والمجمعة على رفض عروضه الإصلاحية الأخيرة، أصدر الرئيس اليمني قراراً قضى بإقالة العميد عبد الإله القاضي من منصبه.

وحملت إقالة صالح للعميد عبد الإله القاضي من منصبه في قيادة محور العند الجنوبي ’اللواء 201 مشاة ميكانيكي’، وتعيين قائد من المحافظات الجنوبية بدلًا منه، دلالات عديدة. في ظاهر الأمر، يبدو هذا القرار استجابة رئاسية للمطالب القويّة بإبعاد أقارب صالح عن قيادة الجيش والمناصب العسكرية العليا. لكن القائد المُقال (زوج شقيقة الرئيس صالح)، هو والد البرلماني محمد عبد الإله القاضي الذي كان أول فرد من أفراد العائلة الحاكمة قدّم استقالته من عضوية حزب المؤتمر الشعبي العام احتجاجاً على الطريقة العنيفة التي تعاملت بها السلطات في قمع الحركات الاحتجاجية، ما يشير إلى أن قرار الرئيس صالح بإقالة القاضي من منصبه لم يكن استجابة للمطالب التي نادت باستبعاد أقاربه من الجيش والمناصب العسكرية العليا بقدر ما جاء عقاباً لصهره على الموقف الذي اتخذه نجله. وكان هذا الأخير قد تلقى «رسالة رئاسية» تمثّلت في تعرض منزله مساء الأربعاء الماضي لإطلاق نار كثيف من قوات مشتركة من الأمن والحرس الجمهوري، أدّى إلى إصابة شقيقه وأحد مرافقيه.

تطوّر يأتي ليؤكد أن الرئيس صالح لن يستثني أحداً من العقاب حتى لو كان من المقربين منه. كذلك تمثل إقالة القاضي رسالة للآخرين من أفراد العائلة، عمّا يمكن أن يحدث لهم إذا فكّروا في تكرار ما فعله نجل زوج شقيقته.

لكن يبدو أن الرئيس صالح اتّخذ هذا الإجراء في لحظة غضب، دونما تفكير في العواقب التي يمكن أن تحدثها قرارات إقالة قادة كبار في الجيش، خصوصاً في هذا التوقيت الحرج والصعب الذي يمرّ فيه.

عواقب سريعة لم يتأخر ظهورها كثيراً، تمثّلت في تمرّد سبعة جنود من اللواء الذي كان يقوده القاضي والكائن في معسكر العند جنوب اليمن، بعدما استولوا على نحو 200 بندقية كلاشنكوف واتجهوا بها نحو منطقة جبلية في مديرية القبيطة القريبة من المكان، حيث وزّعوا قطع السلاح على المواطنين.

وتشير التطورات الأخيرة في اليمن إلى تنامي العزلة التي يعيشها صالح والقطيعة التي يواجهها وتزداد يوماً بعد يوم، وخصوصاً من مقرّبين له في العائلة والقبيلة وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، بل حتى من مستفيدين كبار منه، ولعل أبرز هذه الحالات تتمثل في تقديم الملياردير توفيق عبد الرحيم لاستقالته من الحزب الحاكم، وهو المعروف بحالات تورطه في تهريب مادة الديزل المدعومة من الدولة.