الكاتب : مازن بلال

تبدو بداية غريبة في معالجة التحول العربي، فالمسألة ليست في ضرورة التدخل في ليبيا وإيقاف استباحة المجتمع هناك، لكن على ما يبدو أن الرؤية التي يمكن أن تواكب حركة الزمن الجديد ستبقى حتى فترة طويلة خارج إطار التفكير داخل الدوائر الرسمية، ويبدو في الأفق أن "كسر" حدود المنهج القديم تقف على حدود الصور السياسية المتسربة من دوائر الناتو أو حتى أروقة مجلس الأمن.

من الناحية العسكرية فإن الحظر الجوي إذا جاء على سياق ما حدث في كوسفو فإننا سنكون أمام فصل طويل لا نعرف تحديدا كيف يمكن أن ينتهي، أما إذا كانت شروط هذا الحظر مختلفة فإنها ستأخذ منحى لا يمكن رسمه فقط في إطار ما يريده الناتو فقط، فهل ظهرت شروط عربية لمثل هذا الحظر؟ وهل نجاح الثورة يمكن أن يتم عبر مسألة التدويل؟

ربما لم يتوقع أحد أن يظهر من اجتماعات وزراء الخارجية العرب أكثر من ذلك، وذلك وفق السياق الذي تسير عليه قرارات الجامعة العربية، لكن في المقابل فإن الدول العربية يجتمع ممثليها في ظل ظرف مختلف كان من الممكن أن يعدل من الصور التي يناقشها العرب عموما، فنحن أمام ظاهرة تتجلى بشكلين:

الأول هو أننا لأول مرة لا نوجه ظرفا خارجيا يشبه احتلال العراق أو فلسطين أو اجتياح لبنان وغزة، أو حتى احتلال العراق للكويت، فالشكل السياسي الذي يشهده النظام العربي في ليبيا وربما في اليمن والبحرين وحتى في السعودية هو بوادر بيئة مختلفة تحتاج أن يعمل النظام العربي من خارجها، والغريب هو ظهور توافق خليجي لكنه مربك من الموضوع الليبي، والطرف العربي الآخر ربما حاول تجاوز الحدث لما بعده! فهو نظر إلى التدعيات التي يمكن أن تظهر نتيجة التدخل الخارجي، لكنه لم يحاول أن ينظر إلى التفاعلات التي تشهدها الساحة العربية وما يمكن أن تتركه على مجمل القضايا العربية عموما وفي رأسها نظام الجامعة العربية.

الثاني هو شكل التدويل الذي يظهر على سطح الحدث، وربما لأول مرة لا يحاول الأوروبيون والأمريكيون إعادة تشكيل الموقف العربي بل يشترطون أن يظهر موقفا عربيا حتى يستطيعوا رسم تحركهم، والمثير للدهشة هنا أن التداولات لم تخرج عن إطار المقترحات الفرنسية والأمريكية، واستبعدت تماما مبادرة عربية تتكفل فرض الحظر أو الدخول مع الثوار أو أي حل آخر، فهناك افتراض مسبق بعجز النظام العربي عن وضع خطة واضحة لتجاوز أي تداعيات خاصة بالوضع الليبي.

هل على الموسسات العربية الاعتراف بعد قرار الأمس ان عليها الخروج من الزمن القديم؟ حماية الشعب الليبي واجبة والحظر الجوي ضروريا أيضا، ولكن كيف سنستفيد من الدرس الليبي الذي أعاد التفاعل الداخلي العربي إلى "التدويل"؟ سؤال برسم النظام العربي المستقبلي إذا استفاد من دروس الثورات العربية.