الكاتب : نجيب نصير

كلنا يعرف أين كان يذهب النفط العربي قبل الثورات وكلنا نعرف أين سيذهب بعدها، ولا يقف الموضوع عند النفط فقط بل يتشعب الى مصالح إستراتيجية كثيرة أخرى، فالنفط لن يذهب بالتأكيد إلى المصانع العربية العملاقة بل سيباع للذي يمتلكها، ولسوف يدور دورته الرأسمالية لينتج أسلحة ونوويات ومعرفة وكل شيء آخر يتسابق بائعو النفط على شرائها بأموال النفط الذي باعوه، في دورة إذا لم تكن قد أضحت مكشوفة فعلينا رحمة الله.

هنا يبرز دور التاريخ الذي لا يسامح الشعوب التي تجاهلت التنمية، بل يجعلها ضحية كل شاردة وواردة أو حراك في الكرة الأرضية، حتى في ثوراتها التغيرية تتحول الى أضحية، فالعالم لن يقف مكتوف الأيدي وهو يرنو الى التغيير في هذا المجتمع أو ذاك وهو يتفرج مصفقا لشجاعة أهل ميدان التحرير أو ثوار ليبيا، والأمر هنا ليس له علاقة بالعداوة أو الحقد التاريخي بل هو تحقيق للمصالح عبر احتكارها بالقوة أو بالمكر السياسي، طالما لا تجد هذه الدول ما تقايض به مصلحة بمصلحة أو إنتاج بإنتاج، لتبدو محاولات التنمية لا تصب في مصلحة القادر على استهلاك النفط وتحويله الى قوة.

من هنا يبدو عقاب التاريخ على قلة التنمية أو انعدامها، عقاب لا يستطيع أحد منعه أو إيقافه، فبكل الأحوال هناك عقاب على الشعوب المقصرة بالتنمية دفعه.

واليوم وبالنظر الى اليمن وليبيا في خضم (ثورتيهما) نلحظ الصراع الأوربي الأميركي على المصالح أشد استعارا من حناجر وهتافات الثائرين أنفسهم، مع علمهم (الأوربيون والأميركيون) أن الضحايا من خارجهم، لتصبح اللعبة على أساس فليكسب من يكسب فالمهم مصالحنا، وهم في ذلك لا يجورون على أحد فقطار التنمية الذي فات تلك البلدان لا يجعلها من أصحاب المصالح وبالتالي هم خارج اللعبة السياسية والأخلاقية حتى ولو تم التبجح بها إلا أنها في الحقيقة شأن داخلي يخص مجتمعاتهم ولا يخص أحد آخر .

اليوم المنظر منقلب الشعب يطلب التدخل الأجنبي والحكومة الليبية ترفض، والتدخل الأجنبي معروفة مفاعيله من صربيا الى لبنان والسودان مرورا ببغداد، والكل عانى من عقوبات عدم التنمية التي فرضها التاريخ عليهم بسبب تقصيرهم، حيث لم يلق أيهم مغيثا لوجه الله والأخلاق. لتصبح الثورات نفسها معلقة في الريح العاتية، لجعلها تعزف نفس المعزوفة الماضية بنوتات جديدة، تتجاهل الطلب على التنمية التي قد تجعل للبترول استهلاكا محليا.