الكاتب : نضال الخضري

لأول مرة تضحكني إشارات النصر التي رفعتها القوات السعودية وهي تتحرك تجاه البحرين، بينما كانت بسمات جنودهم تحيرني، فعلى ماذا سينتصرون؟ وشعب البحرين وفق معلوماتي هو حوالي 750 ألف فهل سيشكل هذا المجتمع الموجود على بقعة جغرافية من الصعب تمييزها امام مساحة الجزيرة العربية مشكلة محددة؟
إشارات النصر اعتدنا عليها وهي ترتفع وكانها رمزا للسطوة، وحتى الثوار الليبيون فاجؤونا بها وهم يتقدمون أو حتى يتراجعون فما يحدث في العالم العربي لا يحمل هزيمة أو نصر لأنه انتقال من "فضاء" إلى آخر، وإذا كانت قوات درع الجزيرة تعتقد أنها ستحمل معها النصر في "غزوتها" فإننا بالفعل سنأسف لنوعية التفكير الذي يحكم "النظام العربي الرسمي" في شقه الخليجي.

بالطبع كان على الإعلام التقاط الكثير من المشاهد في البحرين، فتحن نتعلم العالم العربي من جديد، ونراه رغم البطش الذي يتم اليوم لإيقاف "ظاهرة" مازالت تدفعنا باتجاه آفاق مختلفة، فنحن نتحسس الجغرافية اليوم ونتعرف على عالمنا خارج الأفلام التوثيقية أو الدعائية، وبعيدا عن المنشورات السياحية التي تظهر فجأة في الفضائيات، فمن كان يتوقع أن نفهم الدول بعيدا عن شركاتها الجوية أو فنادقها ذات الخمس نجوم، أو نسمع لأشخاص لم نكن نحلم أن يقدموا لنا مشاعرهم، فهناك اختصار عام حدث في السنوات الماضية، وأصبحت بعض الوجوه تختصر الشعوب وتفكر عنها وتدعي أن "تشعر" بدلا عنها.

أنتظر رؤية دوار اللؤلؤة من جديد، وأن أسمع النساء "المنقبات على الطريقة الخليجية وهم يطرحون وعيا سياسيا لا نسمه من الأمراء والملوك والمشايخ، وأتمنى أن ألامس الصيادين الذين رغم الثروات المخبئة في البنوك مازالوا يمارسون مهنتهم لأنهم لا يعرفون عن الثروة سوى اسمها، فالتاريخ الذي يكتب لا يمكن صفعه بقوات درع الجزيرة، ولا بمناطق الحظر الجوي، أو بكتائب القذافي، أو حتى بالتمهيد المسبق للتغطيات الإعلامية فنحن أما مشهد لا يتكرر كثيرا في تاريخ البشرية، فعندما يعرف الإنسان أن قادر على الوجود وأنه الرقم الصعب في كل المعادلات فإن الحياة تأخذ لونا جديدا.

يستعيد الخليج مكانه بعيدا عن النفط، ويأخذ مجال العنفوان الذي ينطلق دون حاجة لحديث سياسي تقليدي عن مذهبيات أو صراعات على طرفي الخليج، فمشكلتنا أن نبقى في الإعلام بدلا من أن يدفعنا للتفكير فيما وراء الصورة التي يقدمها، فهو في النهاية يطرح الحدث، لكن هذا الحدث هو بشر يملكون دما وعروقا وقلبا وعشقا، ومن سقط منهم ربما كان يحلق بمعانقة أطفاله أو بطبع قبلة على وجنة حبيبته، ومن سقطن كن يحلمن بمواسم خصب تتلوها مواسم، فالمشهد "بشري" لأبعد الحدود، ويهو يحاكي الظاهرة التي نعيشها اليوم وربما تنقلنا إلى زمن مختلف.