ما يستحق الذكر

الكاتب : مازن بلال

سلم الثورات لا يبشر بأن الطريق ستبقى على حالها كما في تونس ومصر، فبعد ميدان التحرير ظهرت نقطتين لا يمكن تجاوزهما، الأولى في قرار دولي والثانية في تدخل عربي، وما بين البحرين وليبيا فإننا أمام سلم ثورات وعلينا رؤيتها بمسؤولية.

بالطبع فإن مسألة إيجاد الحلول ربما تكون من خارج منطق ما يحدث مهما كان مكانه الجغرافي في العالم العربي، لكننا على الأقل يمكننا ملاحظة وجود "مؤسسات سياسية"، بعضها موجود في السلطة والآخرون إما مشاركين أو يقفون في موقع "المعارضة"، لكن هل هذه صورة الواقع السياسي داخل المجتمعات العربية؟! الاستقراء الأولي على الأقل في تونس ومصر يؤشر على أن الأحزاب السياسية كانت بعيدة، والنخب لم تستوعب بسرعة حجم التحول الحاصل، وأن "الخارطة السياسية" على ما يبدو تبدلت ولم تشكل رؤيا داخل ما نسميهم في الإعلام "قادة الرأي".

هل تقوم المؤسسات السياسية إلى اتخاذ زمام المبادرة مجددا؟ هذا هو السؤال الصعب الذي لا نملك إجابة واضحة عنه، لأن سرعة الحدث في عالمنا العربي، وتطور الثورات باتجاه جديد يغير نوع القلق الذي ساورنا مع بدء الثورة المصرية، فهناك ثلاث نقاط علينا التعامل معها في هذا الظرف:

الأولى أن نوعية الثورات لم تعد محصورة داخل حدودها الجغرافية، فهناك رغبة دولية على الأقل في التدخل المباشر كي لا تخرج عن إطار السيطرة، وسواء ظهر هذا العامل بسبب الأخطاء السياسية للأنظمة كما حدث في ليبيا، أو بفعل الدرس الذي قدمته الثورة المصرية، لكن منطقة الثورات مهما كان مكانها أصبحت مؤشرا خطرا لا تستطيع مراكز اتخاذ القرار الدولي تجاوزه.

الثانية أن الإجراءات السياسية لم تعد مهمة، رغم أن معظم الحكومات العربية تتعامل وفق هذا الأسلوب، فالثورات التي شهدناها على الأقل تريد خلق بيئة جديدة، وبالتالي فإن التعامل الحكومي معها يمكن أن ينظر إلى نوعية "البيئة" التي تريدها قبل أن تتطور الأمور كما حدث في اليمن مثلا حيث تفشل اليوم معظم محاولات الحوار. فمؤسسات الدولة هي التي يمكن أن تتدخل للتعامل مع ما يحدث ولقراءة البيئة المستقبلية والعمل على إيجادها بدلا من إجراءات تجعل الأزمة تتفاقم.

الثالثة عدم وجود قياس جاهز لما يحدث، فهل الأمر عدوى حسب تعبير الرئيس اليمني؟ أم أن المجتمعات العربية وصلت إلى "حافة الانهيار"؟ هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه دون حوار شفاف لمعرفة نوعية القوى الاجتماعية الصاعدة التي على ما يبدو ظهرت على هامش المؤسسات السياسية التقليدية.

على مستوى العالم العربي نحن نعيش بالفعل زمنا استثنائيا، ومن يراقبنا ليس العالم بل الأجيال القادمة التي تنتظر تجربة لا تجعلها "تكرر الأزمات"، أو تدخل في مساحة مكرر عاشها الأجداد والآباء، فهل ندرك بالفعل أن ما يجري هو بالفعل مرتبط بالمستقبل وبشباب وأطفال يعيشون اليوم مراحل معرفتهم وفي المستقبل سيقرؤون التاريخ على طريقتهم وليس طريقتنا!