الكاتب : حسان عبه جي

يمكن الحديث عن "عتبة الخطر" بعد أن أصبحت ظاهرة الثورات في مكان مختلف، فهو مسألة دولية وإقليمية، وهي تحمل معها أيضا صورا غير واضحة تنتقل ما بين العراق باتجاه المغرب العربي، فهناك تكوين سياسي يبدو وكأنها لا يملك حدودا واضحا، ويريد بلورة مساحته لكن الزمن الكافي لمثل هذه العملية هو ما يمكن ان نسميه عتبة الخطر.

منذ بدأت أحداث ليبيا دخلت الثورات في مرحلة الخطر، ليس لأن الرئيس الليبي استخدم العنف، بل لأن إقليما كاملا تجاوز مرحلة استقراره القديمة ويبحث اليوم عن نقاط جديدة كليا في بناء "الاستقرار الجديد"، وبعد هذه المرحلة أصبحنا نرى المنطقة بشكل مختلف، ولم تعد الأمور تحولا باتجاه الديمقراطية بل "ثورة جيبولوتيكية" حقيقية لم تشهدها المنطقة منذ أكثر من مائة عام.

كيف يمكن تجاوز عتبة الخطر؟ حتى اللحظة لا توجد مؤسسات سياسية أو أحزاب تحاول التفكير في هذا الموضوع، فالحراك الاجتماعي خارجها وهي لم تتلمسه بعد، في وقت تبدو وسائل الاتصال وكأنها حالة "إشعال" أو "محرقة" تمتص الحدث وتشعل معه "إشاعات" أو "حقائق" أو حتى مواقف سياسية، وهذا الإرباك طال حتى وسائل الإعلام الكبرى التي لم تعد قادرة على تغطية كل ما يحدث، بل وأحيانا تغير من نوعية التغطية كما حدث في قناة الجزيرة مع تراجع الثوار، ويمكن أيضا مراقبة محطة "أورينت" وانكفاؤها الوضع السوري، وذلك بغض النظر عن مسألة موضوعيتها لأنه شأن آخر.

ويمكننا أيضا تعميم "القلق" الذي لم يعد محصورا في مناطق التوتر، فحتى المجتمعات الغربية قلقة وتريد أجوبة هي في الحقيقة غير متوفرة طالما أن "نوعية الثورات" هي من الشكل الخارج عن التوقع الذي لا يخضع غالبا للظرفين الذاتي والموضوعي، فلا أحد يستطيع سوى المراقبة واتخاذ إجراءات وقائية، ووحده الحدث الليبي كونها يحمل تدخلا دوليا يمكن أن يدخل عاملا إضافيا لطبيعة التغير الحادث على مساحة المنطقة.

يمكننا أن نطرح نقاط للنقاش أمام عتبة الخطر لكنها بالتأكيد ليست نهائية، فهناك في البداية نوع من "الانزياح" في استخدام الأنظمة الفكرية أو "الإيديولوجية" فلا إسلاميو الثورات هم نفسهم ولا الليبراليون يملكون نفس الوجه، وحتى التيار القومي الذي احتفى بالثورة المصرية والتونسية لا يملك نفس التكوين المعروف سابقا، فكيف يمكن أن نفهم هذه الظاهرة؟

في المقابل يبدو "التدوين" وكأنه إحدى الأدوات التي يستخدمها البعض داخل هذه الثورات، ولكن هل التدوين في اليمن هو نفسه بعد الثورة المصرية؟ وهل طرق التعامل مع الأحداث بقيت على ما هي عليه؟ التدوين اليوم لم يعد عاملا لتحضير بيئة افتراضية للثورات لأنه دخل مرحلة مختلفة فيها نوع من الجبهات والحركات والتيارات المضادة، وبالتالي من صعب رصد المستقبل من خلال ما يجري.

البحث الحالي في عتبة الخطر يمكن أن يطول لكنه بالتأكيد لن يتركنا نقف ونقول "عاصفة تمر"... فهناك تاريخ يكتب اليوم مهما كان نوعه أو طريقة سيره.