الكاتب : مازن بلال

عودة العالم القديم كانت دائما مستحيلة، لكننا نستحضرها في كل ردود فعلنا أو حت تفكيرنا، وعندما يعيش العالم العربي تحولاته الحالية مهما كانت نتائجها فربما علينا أن نتوقف عن استحضار "النماذج" التي نملكها، أو الرهانات الحاضرة إقليميا ودوليا، فأربع ثورات على الأقل قدمت تفاوتا في النموذج، وشهدنا في اثنين منها تدخلا دوليا وعربيا، فهل سيبقى وهم القديم مسيطرا؟

المسألة اليوم أن التجاوب السياسي والإعلامي لا يستطيع أن يلحق بأدوات باتت معروفة استخدمتها الثورات، وهذه الأدوات بالذات تطرح أزمة المستقبل بالنسبة لمؤسستي الإعلام والسياسة على الأقل، فنحن نستقبل الحدث بنفس الجرائد والمواقع الإلكترونية، بينما تعاملت المؤسسات السياسية من تونس مرورا بمصر واليمن والبحرين وأخيرا ليبيا بنفس الوسائل، فهي مازالت تقف في نقطة وهم القديم بما يمنحه من "غرور السيطرة"، فكان الرئيس المصري المتنحي حسني مبارك يخاطب الشارع بمنطق "الحكيم" رغم أن ثوار ميدان التحرير أسقطوا الحكمة القديمة وكل معادلاتها، أما الرئيس الليبي فهو يتخبط في "القديم" فيتحدث عن "الإرهاب والقاعدة" ثم ينتقل إلى "النفس الثوري"، في وقت أصبحت فيه ليبيا بحكم سياساته تحت وطأة الضربات الجوية.

وهم القديم لم يدفع الخطاب الإعلامي للتخلص من طريقته الرزينة، فهو يواجه اليوم كما من الرسائل القصيرة على التويتر، وهي تحمل بأكثرها أخبارا غير موثقة وأحيانا انطباعات أو خيال، لكنها تشكل الظاهرة التي تدفع الإعلام للتحرك، فهي تختلق الحدث ليتابع الإعلام، ويكتشف أحيانا أنه خُدع، لكنه لم يستطع حتى اللحظة تجاوز خطابه التقليدي، فوسط شبكات التواصل الاجتماعي هناك صيغة إعلامية عليها أن "تلسع" تماما كما تفعل كلمات التويتر السريعة أو التعليقات على الفيس بوك التي تشكل على ما يبدو مزاجا عاما دون أن يدرك أصحابها أنهم يحكمون هذا المزاج.

المرعب أن "الحملات الإعلامية" لم تعد قادرة على المنافسة إذا لم تستطع فهم هذا المزاج، وهذا الأمر يفاجئ الجميع عندما تحرك شبكات التواصل الاجتماعي البعض بينما تقف الحملات الإعلامية عند حدود لا تستطيع تجاوزها لأنها مازالت في وهم الأدوات القديمة، فالرأي العام لم يعد خاضعا لـ"الأجندات" المرسومة بصرامة، فالعقول اليوم لا تملك حيوية فقط لأنها سارت أيضا خارج الخط الاعتيادي لرسم قناعاتها، فهي لا تملك مصادر معلومات بل ربما تعيد "خلق" المعلومة على طريقتها.

نشهد اليوم حالة اختلاط تفتح أسئلة كبرى لكنها بالتأكيد لا تملك أجوبة داخل "وهم القديم"، فمن أنتج الثورات كان يعمل بأدوات الحاضر والمستقبل، وإذا لم نستطع فتح نافذة تفكير مختلفة فإننا سنبقى داخل أزمة تنتج نفس الكلام والمصطلحات، وتتركنا خارج حركة التاريخ.