الكاتب : نضال الخضري

نسيت الكتابة عن "عيد الأم" رغم أنها مسألة حاضرة بالنسبة لي في كل لحظة، وهي تخترق حالة المناسبة لتشكل حولي هالة من الهم الدائم، لكن المسألة اليوم هي تلك الجغرافية الناقصة من ذاكرتنا، حيث تصبح التلال والجبال والمدن مواقع مجرد تضفي اختصارات على من يقطنها، فنختزل كل شيء بمشاهد بسيطة، ثم نكتشف أننا نملك حكما قاسيا نحمله دون أن ندري في دواخلنا.

اكتشف أن الأرض والإنسان هما مجال وليست مجرد صور أو ظرف آني أو مستمر، وتعرفت منذ الثورة المصرية على مفاجآت هذا المجال، لأنه يكون في كل لحظة مشاهد جديدة، وفي اليمن أيضا كان الوضع أكثر من مدهش لأنه انتقال عبر موجات هذا المجال، وربما على عكس الفيزياء من الصعب إيجاد قانون واضح، فنحن نقف حالة بالغة التعقيد لكنها في نفس الوقت تحاكي طبيعتنا الإنسانية، فنتعاطف دون أن نعرف التفاصيل، ونتجاوب قبل أن نقرأ التحليلات.

الميزان الحقيقي للجغرافية اليوم هي في اكتشاف الإنسان من جديد، فهو الذي يعيد "التصور" لتلك الأرض التي يعيش عليها، فنستعيد ليبيا أرضا بصحراء لكنها لا تحمل "السكون" المألوف لصحارى الكبرى، وتعيدنا إلى العنفوان المتحرك باتجاه البحر، وإلى القدرة على ملامسة قلوبنا بشكل سريع، فنضيف مربعا لمعرفتنا ونتعلم أن "ليبيا" لا تحمل "هزء" معمر القذافي من كل ما حوله، لأنها تحرك "مجالها" باتجاه العالم.

هي جغرافية نتعامل معها أكاديميا بشكل قاس، فنعرف التضاريس والنشاط السكاني، ونقف عند قواعد صارمة في علم الاجتماع والانتربولجيا، ونقدم جغرافية - سياسية نهائية ومطلقة، ثم ندرك في لحظات أن علومنا تحتاج لصياغة، وأن هذا المجال ينساب إلينا فيفرحنا ويحزننا، ونستعيد هذا الطابع الشفاف في رؤية المجتمعات وهي تبحث عن شخصيتها التي تملك حيوية وتبدل دائم.

لا أدري لماذا أصبحت أهوى تكسير كل ما أملكه من مناسبات، فأرسم أجندة متحركة لا تملك تاريخا محددا، فأهرب من عيد الأم ويوم الأرض والأعياد التي أصبحت اعتيادا داخل الحياة، فالمناسبات إن لم تكن "فرحا إنسانيا" فإنا تصبح "نمطا" للهروب من الرتابة إلى الملل، وعندما أبحث عن الجغرافية الناقصة يتقلص الزمن وتتجمع الكلمات لتصبح نبضا مألوفا لدي.. إنه نبض القلوب من حولي حتى ولو كانوا في ليبيا أو العراق أو اليمن.