الكاتب: مازن بلال

يمكن التركيز على الحدث السوري من جوانب مختلفة، ودون الحاجة لمرجعية موجودة في مكان بعيد تحاول رسم تحليل يكسر الحدث الحالي، فالواقع السوري ربما يظهر على مساحة من التناقض في الروايات الإعلامية لكنه بالتأكيد لا ينتمي إلا زمن "القرضاوي" الذي يحاول أن يُشكل نفسه كمنظر للثورات أو راع لها.

ربما نختلف على حجم الاحتجاجات أو مشروعيتها، وربما نتفق على الكثير من المطالب ونتطلع إلى زمن جديد، لكن المسألة في عمقها تحتاج إلى النظر في اتجاهين:

الأول أن ما يحدث وبغض النظر عن الصورة الإعلامية يحمل معه حالة غير مسبوقة من الاهتمام بالسياسة الداخلية السورية، والمراجعة لصفحات الفيس بوك على الأقل تؤشر أن المجتمع السوري يحاول فهم الحدث بعد أن كانت انظاره تتجه دائما إلى محيطه العام في العراق وفلسطين ولبنان، فهو يجد نفسه فجأة وسط الحدث وداخل العنواين الرئيسية لنشرات الأخبار، وعلى عكس الحالات السابقة لا يبدو الأمر نتيجة مواجهة محتدمة في محيطه الجغرافية بل شأن مرتبط بـ"ارتقاء" السياسة الداخلية نحو حالة جديدة، وهنا فإن كرم القرضاوي لا يأتي فقط من خارج السياق بل يتعمد أيضا رسم صورة زائفة له.

الثاني هو نوعية التحدي الذي يطال الدولة والمجتمع في نفس الوقت، فإذا كان المجتمع يواجه حراكا، حتى ولو اختلفت التقديرات في حجمه وقوته، فإن الدولة تواجه احتمالات جديدة ومن أهمها "البيئة" التي يمكن ان تظهر بعد تلك الأحداث، إضافة لتحدي التعامل مع ذلك الحراك الذي بم يعرف نفسه بشكل كامل رغم أنه يطرح مطالب عامة وتحتاج إلى برامج سياسية، وهذا الحراك مازال مختلطا فتطوره إلى عنف في بعض الأحيان يوحي أن آلياته الداخلية لم تضح بعد وهو أمر ربما يربك جهاز الدولة في طريقة التعامل معه، وفي هذه النقطة بالذات فإن كلام القرضاوي لا يمكن النظر إليه بشكل بريء أو عن سوء تقدير، فهو يسيء لأي مطالب اجتماعية، وأكثر من ذلك فإنه يضع الناس جميعا في موقع خاص ثم يحاول أن يتخيل موقعا آخر للدولة أو للمؤسسات السياسية.

في الحراك السوري مهما كان نوعه لم نسمع أي شعار مذهبي، وهو مؤشر على إدراك السوريين بأنهم مجتمع واحد وأن الخلافات على المطالب يمكن أن تظهر، والسوريون يعرفون المشهد العراقي واللبناني، وهم مجتمع يملك شرائح متدينة لكنها تعرف الحد الفاصل ما بين التدين والانجراف باتجاه مخالف للواقع الطبيعي لها، أما إذا كان القرضاوي يريد أن يتعامل مثلما تعامل الأمريكيون مع العراق حيث ظهر ما أسموه "المثلث السني" قبل أن يتم الدخول احتلال البلد فهو يدخل فعلا في موقع أخطر من ان يدركه هو لأنه على ما يبدو غارق في أوهام "خلافته" للثورات العربية.

ربما لا تستحق خطبة القرضاوي أمس هذا الاهتمام لولا أنها بُثت على بعض الفضائيات، ودخلت في حالة تنميط دون أن يدرك أنه يكسر الحدث السوري الحالي ولو إعلاميا، لكنه في النهاية سجل سابقة على السوريين تحديدا محاصرتها.