الكاتب : ربى الحصري

هل يحق لي أن أكتب من بعيد؟ سؤال كان يحيرني طوال الأيام الماضية، فالتماس مع سورية عبر الخطوط الهاتفية أو الإنترنيت لا يكفي، فأنا أعرف شعبي في حذره أحيانا أو عنفوان انتقاله أحيانا أخرى، فالاتصال بالسوريين يجب أن يكون من العمق، أي في التفاصيل التي تقودهم لرسم المواقف مهما كان الإعلام مشغولا بحدث هو في الحقيقة الأهم على المستوى السوري منذ بداية القرن الجديد.

لكنني حسمت أمري بعد أن سمعت في فضائية الجزيرة كلاما يقوله القرضاوي، فاكتأبت لدقائق لكنني عدت للتحليل ولو من بعيد للحدث السوري، على الأخص أن الصور التي تأتي إعلاميا منفصلة عن حديث القرضاوي لأنها مرتبطة ببنية مؤسسات الدولة وليس بافتراق طائفي حسب كلامه، فسواء اعتمدت على صور الاحتجاجات أو التصريحات الرسمية فإن المشهد يوضح أن البنية السياسية هي المستهدفة، وبالتأكيد على سؤال الشيخ القرضاوي مجموعة أسئلة:

الأول ما علاقة قانون الطوارئ وإطلاق الحريات بالتصور المذهبي الذي يريد تعميه ومن منبر عام؟

الثاني هل يصح التعامل مع الحراك الحالي بنفس السياق الذي ظهر بعد الاستقلال في سورية؟

الثالث متى كان الشيخ قرضاوي على تماس مباشر مع المجتمع السوري؟

هي أسئلة يحتاجها كل من يريد تناول الشأن السوري، فمسألة البنية السياسية السورية مهما اختلفت الآراء حولها لا تحمل "إطلاق أحكام"، والأحداث الأخير أثبتت أنها تملك حيوية سواء في اتجاه الاحتجاجات أو حتى في طريقة نظر المؤسسة الرسمية لما يحدث، وربما نستطيع تسجيل الكثير من الملاحظات على "الأحزاب السياسية" و "المرسسات الفكرية"، لكن بالتأكيد فإن الشارع السوري يتفاعل بطريقة سريعة مع الحدث ويشكل مواقفه وفق اعتبارات تخصه داخل حدود جمهوريته، وليس بناء على تقديرات "المجلس الأعلى لعلماء المسلمين" الذين لا نعرف لهم فعلا مستمرا على الأقل على مستوى دفع الفكر الديني لمواقع جديدة.

وفي السؤال الثاني هناك أيضا استقراء للطيف السياسي، فالقياس الحالي للحدث السوري لا يمكن أن يتم وفق معيار قديم، فصحيح أن الأحزاب السياسية هي نفسها لكنها خاضت تجربة طويلة وهي اليوم في موقع مختلف، والتقديرات الحالية تحتاج لقراءة القوى الاجتماعية وليس الاستناد إلى "الأحزاب القديمة" بما فيها الإخوان المسلمين الذي يتعاملون مع الأمر بمنطق الثمانينات.

في السؤال الأخير وهو الأصعب لأن التماس مع الشارع السوري وفق خبرتي على الأقل يوضح حجم تنوعه وقدرته على اختزان إرث طويل يستحضره فجأة في ذروة الأزمة، فهو بالفعل مجتمع مغرم بمسألة "الاستقرار" بكل ما تعنيه من محاولة الانسجام مع تنوعه "المذهبي" وفق تعبير القرضاوي، والحكم المطلق الذي صدره "فضيلة الشيخ" أمس له حساسيته المعاكسة، ولا أعرف هل سيستطيع "فضيلته" زيارة سورية ولقاء شعبها بعد هذا الكلام... أنا شخصيا أطلب منه الاعتذار للشعب السوري....