الكاتب : حسان عبه جي

في الواقع لا يحتاج القرضاوي لتحليل ما قاله، بل لقراء نتائج التصرفات غير المحسوبة التي تأتي من خارج "الزمن السياسي"، فقناة الجزيرة منحته "زمنه الخاص" ليصبح ضيفا دائما على الحدث، ولكن ماذا لو تحدث عن ليبيا بشكل تحريضي ضد قبيلة القذاذفة أو غيرها من القبائل، وماذا لو زل لسانه ضد الأقباط خلال الثورة المصرية، فعندما يقتح رجل من خارج الزمن السياسي مساحة الحدث فعلينا توقع الزلات التي تخلق بالفعل حالات وتداعيات لا ضرورة لها.

هذا بالضبط ما حدث مع القرضاوي أمس عندما تصرف وكأنه خبير بشؤون المنطقة وبدأ يتحدث عن الرئيس السوري وعن نظرة الشارع السوري له، والغريب أن قناة الجزيرة كررت كلماته في أكثر من نشرة، تماما كما فعلت عندما نقلت خطبة جمعة له من ميدان التحرير وخلق هذا الأمر تداعيا كثير، وبالطبع يحق للقناة التصرف كما تشاء، لكنها في النهاية تقوم باستخدام أداة غير إعلامية في موقع إعلامي وعلينا أن تخيل حجم ما تخلفه على الرأي العام.

في المقابل فإن "التبسيط" الذي تحدث فيه القرضاوي يدعو للذهول، وهو دخل متاهة أعتقد أنه لن يخرج منها، فهو تارة يشرعن الضربات الجوية على ليبيا، وهذا الأمر لا يفهمه حتى ولو أقر الليبيون مشروعية هذا الأمر، فإن تدخله فيه هو أمر غريب وغير مفهوم، وكأن المجتمع والقوى الدولية تنتظر فتواه، وعمليا لا يختلف كلامه من حيق الموقع عن "فتاوى القذافي" نفسه رغم ان الأخير ليس عالم دين لكنه يعتقد أن زعيم كوني.

في مقاربته الأخيرة دخل القرضاوي في الحدث من النافذة الخطأ، وبالتأكيد لا أحد يحصي هفواته، لكنه هذه المرة تجاوز كل الحقوق التي يملكها ليتحدث نيابة عن الشعب السوري فمن أعطاه الحق، وهل عدنا إلى الزمن انتظار السند الشرعي كي نفهم ونقرر مواقفنا!!!

كل ما قاله لن يمحى... لكن بالتأكيد فإن الموجودين داخل سورية قادرون على تقدير الموقف، والخطير هو أنه يريد أن ينوب عن الجميع وهذا الأمر غير مقبول لا من المحتجين ولا حتى من أي اتجاهات سورية أخرى، فما فعله استلاب سريع للحدث لإرضاء غرورذاتي في مسألة التأثير بالثورات العربية، فهل استطاع أن يرضي غروره؟!!

المشكلة أن يتكلم ثم يتابع عمله في الإشراف على إيمان المؤمنين، ولنا أن نتخيل مقدار الرضا الذي ينتابه فهو ألقى خطابه وبرء ذمته حتى ولو أدى الأمر، ولن يؤدي، إلى انهيارات اجتماعية، وفي عمق ما قدمه ربما يفتح نافذة لخطورة البحث في فضاء مختلف عن ما يجري في سورية، فهذا الحدث لا يمكن قراءته وفق تصورات "غيبية" لأنه في النهاية شأن مرتبط بمطالب الناس وباتجاهاتهم وليس بإيمانهم الداخلي.

انطلق القرضاوي من المكان الخطأ، وهو لن يكون مسؤولا عن تصحيح خطأه كما عودنا على الأقل، فهو سيترك المهمة للآخرين وهنا تكمن المشكلة.