الكاتب : حسان عبه جي

السوري استفاق بشكل غير مسبوق على شعارات في الفضائيات لم يعرفه سابقا، وربما يتعود البعض على قراءة "إسقاط النظام" إلا في البيانات السياسية فمصطلح النظام السياسي لا يملك تصورا واضحا في "الوعي الاجتماعي" يمكن تمييزه عن السلطة والدولة أو حتى الحكومة.

أما الثورة المصرية بالذات كان هناك كم من الكلام الذي وضع السوريون وغيرهم في قلب ميدان التحرير، وبغض النظر عن الموقف من "حسني مبارك" أو "زين الدين بن علي"، لكن الإعلام وفضائية الجزيرة التي تعتبر "الأكثر مشاهدة" من القنوات الإخبارية كانت طرفا في تلك الثورة، وربما وضعت من قبل "النظام المصري" في هذا الموقع، فالمتابعة للحدث المصري عبر الجزيرة لم تكن مجرد نقل للأحداث بل معاشة لها ومحاكاة لصراع أصبح المواطن أيا كان جزء منه ويقف في طرف محدد مع الملايين في ميدان التحرير.

المواطن كان يملك "لحظة مفاجأة" يتجاوز فيها كل الخطوط الحمر للسلطة السياسية المفروضة؛ ليس في سورية بل في كل مكان في العالم العربي، ولا نعرف هل نشكر فضائية الجزيرة أم نترحم على الإعلام الموضوعي والمتوازن، فهي بالفعل حملت الناس باتجاه تكسير الصرامة العقلية في الإعلام والسياسة، ولكنها في المقابل أصبحت طرفا في الحرب الدائرة في ليبيا واليمن، أما في البحرين فإنها التزمت القواعد الكلاسيكية ثم سرعان ما غاب الحدث البحراني عن الساحة الإعلامية.

المهم هنا هو المواطن الذي استيقظ على حقوق سياسية، وعلى قدرة "الجماهير" في مصر على قلب كل الموازين، وعلينا أن نتوقع أنه مهما كانت جغرافيته سيحاول أن يعبر هذا الجسر باتجاه "الحقوق السياسية" كما يرسمها هو وليس على شاكلة الحكومات الموجودة، وهنا تبدأ مشكلة الحراك السياسي الذي لا يمكن أن يكون إفراديا بل لا بد من رؤية عامة وتيارات وبرامج وحتى شعارات، فهناك تركيب معقد واجه المواطن فجأة، وما حدث في سورية تكرر في الأردن رغم أن الاحتجاجات كانت أوضح في مطالبها وحتى في وجود حركة على الأرض تستخدم الإنترنيت لكنها موجود فيزيائيا بأسماء ووجوه.

في هذه اللحظة بالذات يظهر "فقيه الصدفة" فالمشكلة في "الشيخ القرضاوي" لا تتعلق بعلمه أو قدره، وهو يملك احتراما من قبل الشرائح التي تبحث عن فتاوى دينية، لكنه وفي حمى المعركة القائمة أصبح مفتي الثورات بالتزامن مع "الآلية الإعلامية" التي وجدت الجزيرة نفسها فيها طرفا وليس فقط وسيلة إعلامية، فأعطى فتواه في الثورات، وطبعا نسي البحرين، وربما شعر أنه يمتلك موقع "المنظر" الثوري في لحظة هي بالفعل تاريخية بكل المقاييس سواء في سورية أو الأردن أو اليمن أو حتى البحرين.

حتى اللحظة نحن نتحدث في الوقائع ولا نريد أن ندخل للنوايا، فالمواطن أمام تحد حقيقي في مواجهة مع "حقب سياسية" إن صح التعبير، وعليه أيضا أن يسير باتجاه رسم الحراك السياسي ووضع الرؤية المستقبلية، بينما "فقيه الصدفة" يرسم معادلة الحرية، التي اكتسبت عمقا مختلفا عن الماضي، بكلمات سريعة ومبتسرة وبقاموس لا يوحي بالبراءة.

نحن أمام حساسية غريبة في سورية يصعب وصفها، فلا الحديث عن المؤامرة والاستهداف سيكون مقبولا من الآخر، ولا التراخي في ضبط الأمن سيكون مجديا، والرهان الوحيد على هذا المواطن في قدرته على خلق مناخات تساعد الدولة على بلورة إصلاحات تضعه أمام "التعبير السياسي" الذي طالب به ولكن دون فتاوى تظهر صدفة وتختفي تماما كما ظهرت.