الكاتب : ربى الحصري

ما حدث في اللاذقية كان اقتناصا لظاهرة يمكن أن تأخذ أبعادا مدنية، وكل ما تم تداوله عبر الإعلام ظهر من خلال شهود عيان من الصعب التأكد من روايتهم، فالمراسلون لم يقابلوا هؤلاء الشهود، وكان يكفي فقط جملة من الأسئلة التي يطرحها المذيع وبشكل مغرق في التفاصيل، وكان الواضح أن الشهود قادرين فقط على "تقدير الموقف" وكأنهم محللون، في وقت لم يستطيعوا وصف ما حدث بدقة شاهد العيان، هل كانت المسألة مرتبطة بخطئ من المذيعين؟
لست بصدد تقييم العمل الإعلامي بل في الأدوات المستخدمة، فإذا كان يحق لنا التعامل بحرية مع الوسائل الحديثة فعلينا أيضا تنبيه المشاهد بأننا "غير جازمين" أو لا نملك مصدرا محايدا، على الأخص عندما يصبح الأمر متعلقا بشاهد عيان وبشريط مصور يتم وضعه على اليوتوب، والإعلاميون أنفسهم يعرفون نوعية الدقة عندما يأخذون تصريحا من شاهد عيان أو يصورون مشهدا حيا، لكن يبدو ان هناك خطأ مزدوج:
الأول هو الحذر الرسمي ليس في سورية فقط بل في معظم دول العالم العربي من الوصول إلى المعلومة، وإذا كان هذا الحذر يحمي في بعض الأحيان من الوقوع في الأزمات، فإنه في زمن الإنترنيت يولد هذه الأزمات، فهو يخلق فوضى حقيقية في المعلومات ويبني سناريوهات من الصعب تكذبها.
الثاني هو السباق المحموم للفضائيات للحصول على معلومات دون التفريق بين العمل الاحترافي وممارسة الهويات لفترة محدودة فقط، فالمسألة هنا ليست فتح مساحة حرية فقط للمشاهد كي يتفاعل مع المحطة التلفزيونية، بل تأثير مباشر في الأزمة وأحيانا الدخول طرفا فيها.
المشهد الإعلامي يحتاج اليوم إلى إعادة تكوين خصوصا في مرحلة اشتعال الحدث، فالمحطات الفضائية اقتنصت المدونين ليصبحوا جزءا من فريقها رغم أن ميزتهم الأساسية هي وجودهم خارج المؤسسات الكبرى، وأهميتهم أنهم يكتبون تاريخا تحاول وسائل الإعلام الجماهيري عدم التطرق له، أو هذا على الأقل ما تقوم به المدونات في أوروبا، بالتأكيد المدونات الأمريكية مختلفة نوعا ما لأن البعد يستخدمها لترويج أفكاره حتى عبر الصحافة الكبرى، لكننا بالفعل أمام بانوراما إعلامية تمارس التشويش في كل لحظة.
بالنسبة لي فإن "التويتر" كوسيلة تواصل أصبح يحمل نوعا من الفوضى على الأخص انه دخل مجال الصراع الحالي في الثورات، فبقدر ما كان النموذج المصري جديا، بقدر ما صدمني النموذج السوري الذي أصبح في النهاية نوعا من التشويش العابر، أما شهود العيان ففي مصر كنا نسمع منهم وبأسمائهم ونربطها أحيانا ببعض المدونات، وبالتأكيد فإن هذا الأمر لا يعني أن هذه الطريقة تعوض عن الدخول الإعلامي المنظم لقلب الحدث، لكن في النموذج السوري فإن الأمر كان يزيد إشارات الاستفهام بدلا من أن يدفع نحو رسم قصة ولو كانت ناقصة.
ربما كان مواطننا متعطش للتفاعل مع الإعلام والتعبير عن رأيه نتيجة قلة المنابر الاجتماعية... ريما... لكن هناك نوع من تجاوز الحالة الإعلامية في التغطية سواء كانت في ليبيا أو اليمن أو البحرين أو سورية... هناك اختراق للمواطن وللإعلام لا يبرره الواقع الاجتماعي والسياسي والإعلامي لنا.