الكاتب : جورج حاجوج

بداية قصة الشيخ القرضاوي تنطلق منذ إقامته في "نعيم وجنة قطر" وفي رحاب قناة الجزيرة واحتضانها..

لكن هذه البداية غير مؤثرة وتخلو من أي حدث أو تطور دراماتيكي، وهي ربما بداية غير ذات شأن، إلا أنها بدأت تكتسب ملامحها المؤثرة "سلباً طبعاً" بعد قيام ثورة مصر بالتزامن مع الإشارات التي قدمتها تلك الثورة عن أنها منتصرة لا محالة.. هنا، دبّت الحمية بالشيخ القرضاوي وأطلق خطبه وتصريحاته "وكأنه مشارك في الثورة وصانعها!!".. وكانت هذه الخطب والتصريحات "الثورجية" بمثابة التحضير والتمهيد لقطف ثمار الثورة الشبابية في مصر، ومحاولة احتكارها ومنحها لوناً إيديولوجياً دينياً واحداً!.

لا ينسى أحد، ولا يجوز أن ينسى، كيف أمَّ القرضاوي في يوم الجمعة الملايين في ميدان التحرير بعد عودته "المظفرة" إلى مصر، وكيف أطلق "خطبة عصماء" استطاع من خلالها أن يُقصي ويحيِّد عن الثورة مئات آلاف الشباب المصري الثائر، مع علمه الأكيد أن هذه المئات من الآلاف لم تكن ثورتها وأفكارها متأثرة لا بإيديولوجيا دينية ولا بأيديوجيا وضعية.. حاول القرضاوي نقل هؤلاء إلى مكان فكري آخر هم لا يرغبون في أن يكونوا فيه أساساً.

لا ينسى أحد أن القرضاوي حاول أن يمنح الثورة ـ قسرياً ـ اللون الواحد.. الصورة الفاقعة لمحاولة سرقة الثورة واختطافها كانت أكثر وضوحاً عندما منع مرافقو القرضاوي وفي يوم الجمعة المذكور الشاب الثائر وائل غنيم من اعتلاء المنصة وهو أحد قيادات تلك الثورة، والكل يعلم لماذا منعوه؟.. فقط لأن هذا الشاب يحمل "تهمة وشبهة" الليبرالية والمعاصرة وربما العلمانية، وهذا يعني أنه لا خلفيات إيديولوجية أو دينية أو طائفية أو مذهبية، تحرك هذا الشاب ومئات الآلاف مثله.

هذا في قطر وقناة الجزيرة، ولاحقاً في مصر.. لكن واستكمالاً للقصة وتطوراتها الدراماتيكية "المذهبية الطائفية الهدّامة"، امتدت خطب القرضاوي "العصماء!!" وتصريحاته إلى الحدث السوري، حيث أن نهمه وشهوته لم يكتفيا بمحاوبة سرقة الثورة في مصر واحتكارها وسحبها إلى أماكن لم تقم من أجلها في الأساس، ولم يكتفيا بمحاولة إقصاء وتحييد شريحة واسعة من الشباب المصري الثائر الذي لا ينتمي إلى التيارات الأصولية أو الإسلامية..

شهوة ونهم القرضاوي لأن ينصّب نفسه "مرشداً روحياً" للشباب الطامح نحو مستقبل أفضل في مصر وبعيداً عن التنافر المذهبي والطائفي، يبدو أنهما لم ترتويا هناك بعد!.. لذلك امتدت هذه الشهوة وهذا النهم "الهدّامين" باتجاه سورية طمعاً "وليس طموحاً" في أن يسجل التاريخ أنه استطاع أن يطوب نفسه "داعية وبامتياز" للفكر التحريضي الطائفي والمذهبي التقسيمي، طمعاً في أن يعيدنا إلى الوراء قروناً عديدة، وذلك بإعادة إحياء الفكر الطائفي والمذهبي الذي من المفترض أن الدهر قد أكل عليه وشرب و.. وفعل به الكثير من الأشياء الأخرى!.

إذا كان كثير من السوريين قد شاهدوا وقرؤوا وسمعوا كيف حاول القرضاوي سرقة الثورة في مصر على أسس دينية ومذهبية، ولم يقبلوا به، فكيف هو الحال إذاً مع محاولات مشبوهة وبرعاية فضائيات لسرقة الحدث المطلبي أو السياسي في سوريا، وتوجيهه نحو الطائفية والمذهبية البغيضة؟!.

قصة القرضاوي، كان من المفترض أن تنتهي هناك في مصر، سواء نجحت محاولاته في سرقة الثورة أم فشلت.. كان من المفترض به ألا يسيل لعابه لما يحدث في سوريا، لأن ما يحدث لا يمتّ بصلة إلى الطائفية والمذهبية.

ليلتفت القرضاوي إلى فقهه واجتهاداته وفتاواه، ويترك السوريين وشأنهم.. ليترك السوريين يتعاملون مع حدثهم ويقرؤونه بعينهم هم.. ولا شك في أنهم قادرون على ذلك، وقادرون على الخروج من الأزمة، بعيداً تحريضه و"خطبه العصماء"!.