الكاتب : نجيب نصير

عمليا كل ما قامت به النخب الثقافية في السنوات الماضية هو لتفادي الوصول الى هذه الأيام، فالزمن من حيث وقعه يمشي قدما تجاه إنجازات معرفية وإعلامية غير مسبوقة ، لينفرد (شهود العيان) بصياغة مشهدا سوريا لا تستطيع النخب السياسية ولا الثقافية تحويل مجراه إلا مع تغيير في تكنولوجيات التعبير ذاتها والتي لما تزل تراوح في خطابها التقليدي، فسيل المعلومات غير الموثقة أو الموثوقة أصبح يغرق الشارع الذي لم أحد أن يجزم بعد تابعيته المتمرنة طويلا على عدم الإفصاح أو تداول الشائعات (من تحت الى تحت).

عن أية نخب يمكننا التحدث اليوم؟ في ظل غوغائية شارع ومحطات فضائية خارجية لا يرض عنها أحد من هذه النخب ولا هي ترضى بهم، مضاف إليه عدم المقدرة على التأثير في مجريات (شهود العيان) المجهولين، الذين يغرقون الشارع بمشاهداتهم (الغرائزية)، ومع هذا فالنخب موجودة وتقول رأيها الخاضع (للقيل والقال)، خصوصا بما يمس أن البلاد الاجتماعي، وهنا الأمر لا يحتاج الى نخبة للتعبير عنه، بل يحتاج الى نفض الغبار عن الشخصية الوطنية للشارع السوري الذي يعيش (ولا أقول يتعايش) في الظلال الرحبة لتعدد (الأنواع)، بمشاركة النخبة كونها نخبة أو بنزولها وتساويها مع الناس تشاركا بالمعلومة الإعلامية غير الموثقة بناء على مصادرها المغرضة على الأقل .

لا أدافع هنا عن النخبة (هذا إذا كانت موجودة فعلا)، فالموقف ضد الطائفية أو الفساد وغيرهما هو موقف مستمر لكل شرائح النخبة والشعب السوري، لأنها تشكل جزء أساسي من الوعي بالمصير، الذي يتلازم إلغائها من النفوس ومن الثقافة مع الإيجابية المرتجاة لهذا المصير، وفي المقام الأخير كيف للمرء أن يرفض حقوقا مثل مكافحة الفساد وإلغاء قانون الطوارئ والانضواء في مواطنية واحدة موحدة متساوية تذهب بنا الى بناء وطن منيع وشبعان وحر وهو الذي طالب بها وسعى الى تحقيقها دائما؟؟