الكاتب : غسان يوسف
هذا بالطبع ليس مستحيلا ولا صعبا فالشعب السوري أثبت ومن خلال الأيام العصيبة التي تمر بها سورية أنه يكن الحب للرئيس الأسد ولكنه يريد الإصلاح ومحاربة الفساد.. إذن الموضوع لا يحتاج لتردد فما الذي يمنع من إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي وإصدار قانون الأحزاب ودعوة الجميع لحوار وطني ينتج عنه دستور جديد يرضي الجميع. كما أن حل بعض مشاكل الأخوة الأكراد العالقة أصبحت ضرورة خصوصا أنهم برهنوا من خلال الاحتفال بعيدهم في الحادي والعشرين من آذار أنهم لن يكونوا السبب في تفجر الأوضاع في سورية ليشكل هذا الحل في حال تم (مدماكا) جديدا في تدعيم الوحدة الوطنية المستهدفة بشكل منظم والموضوعة على أجندات خارجية.
وما الذي يمنع من إلغاء قانون الطوارئ ووضع قانون لتنظيم التظاهرات السلمية، ومن ثم البدء بمحاسبة الفاسدين الذين لو حوسبوا لالتف الشعب السوري كله حول الرئيس لأن البعض طغى وتجبر، والمثل الشعبي يقول:"الرزق الداشر يعلم أولاد الحلال السرقة".
خطوات لو تمت ـ طبعا وقد بدأ بعضها ـ فإنها ستجعل من سورية بلدا محصنا داخليا موحدا شعبا وقيادة وقادرا على مواجهة المخططات التي تحاك له خارجا لتفتيت وحدته والنيل من نعمة الأمن والآمان والعيش المشترك التي تتمتع بهم سورية وهنا يصح التذكير بقول الله تعالى في كتابه العزيز وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا الإسراء وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون هود.
الرئيس الأسد هو الأقدر على قيادة الثورة وليبدأ من سقف المطالب ولو فعل ذلك لخلد التاريخ اسمه كقائد ثورة حقيقي أليس إصدار قانون الأحزاب أفضل بكثير من انتشار التعصب الطائفي الذي بدأ ينخر في الجسم السوري كالسوس في ظل عدم وجود أحزاب علمانية ووطنية.
ماذا تفيدنا (الجبهة الوطنية التقدمية) التي تضم أحزابا لا تمثل أي واقع على الأرض لا بل تحظى بوزارات ومقرات وصحف وأعضاء مجلس شعب في حين لا يتجاوز أعضاؤها العشرات!
أليس من حق السياسيين في سورية أن يعبروا عن رأيهم وأن يكون لهم أحزابا تعمل ضمن القانون فيشاركوا في الانتخابات وتكون صناديق الاقتراع هي الفيصل بينهم.
أنا كصحفي كنت أجريت حوارات مع أغلبية رؤساء الأحزاب المعارضة في الداخل ولم أجد أن أحدا من هؤلاء كان ضد الرئيس أو يريد شرا بالوطن.. الشيء الوحيد الذي كانوا يصرون عليه هو الاعتراف بوجودهم واحترام الآخرين لهم على مبدأ نظريتي (الميغالوتيميا و الايزوتيميا) بحيث لا تتغلب إحداهما على الأخرى أي الموازنة بين تحقق الذات واحترم الآخر!
من تابع الانتخابات الحزبية (حزب البعث) لا حظ كيف استغل البعض منصبه في النجاح والوصول والتكتل لينجح أصحاب المناصب ما يدل على أن هذه الانتخابات لم تكن انتخابات نزيهة ولا شفافة كما يحاول البعض أن يقول والسبب أن حزب البعث ترهل ليس كمبادئ وأفكار وقيادة وإنما بسبب عدم وجود أحزاب منافسة لو أن ثمة أحزابا منافسة لكان حزب البعث ربما من الأحزاب الأقوى في سورية، أما ما يحصل اليوم فهو الاختباء وراء الأصبع وامتطاء البعث كوسيلة لتحقيق المصالح والمكاسب الشخصية وهذا ما نراه يوميا ونعيشه كمواطنين لا كصحفيين.
وهنا نصل إلى السؤال الأهم..
أين دور الإعلام الناقد والمصوّب للخلل والفساد ؟...
في أواخر الثمانينات وحينها كنا طلابا في قسم الصحافة في جامعة دمشق كنا نسمع الصحافيين يتفاخرون بقول الرئيس الراحل حافظ الأسد:"لا أريد لأحد أن يسكت على الخطأ"وبالعودة إلى تلك الفترة بإمكانكم أن تتذكروا كيف استطاعت الصحافة أن تُسقط وزراء و مدراء عامين وحتى رئيس الوزراء آنذاك عبد الرؤوف الكسم، أما اليوم فالصحافة هي إشادة يومية بإنجازات الحكومة (النوعية) لتعيدنا هذه المرحلة إلى مرحلة الراحل محمود الزعبي.. وهنا تبرز الضرورة لتشكيل هيئة عليا للإعلام لا تخضع لرئاسة الوزراء ليمارس الإعلام صفة الرقيب لا المصفق!
أما إنجازات الحكومة التي طبل وزمر لها الإعلام فلم تتجاوز بالنسبة للمواطن العادي زيادة أسعار المحروقات وزيادة أسعار المواد الغذائية وأجور التنقل والركوب لا بل ذهب الأمر برئيس الوزراء محمد ناجي العطري للقول ـ إثر رفعه لأسعار المازوت من سبع ليرات إلى 25 ليرة ـ: "إن سورية قضت على الفقر لأن معدل الفقر في العالم هو مئة دولار في حين أن أقل راتب في سورية أصبح يتجاوز المئة دولار"ليكشف هذا التصريح مدى الاستهتار في الحسابات الصغيرة مع العلم أن المئة دولار هذه لا تكفي خبزا لأسرة فقيرة ومن هنا كانت زيادة 30% للرواتب الصغيرة لفتة كريمة من الرئيس الأسد لأن الكثير من الأسر السورية لم تشتر نقطة مازوت واحدة واعتمد بعضها على قطع الشجر.. الشجر الذي يتعرض لمجازر بالجملة في كل المحافظات هذا عدا عن تراجع الإنتاج الزراعي المروي بسبب غلاء المازوت وانهيار الثروة الحيوانية.
أما نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري فيبدو أن همه الوحيد هو سحب مكاسب المواطنين التي كسبوها من مراسيم الرئيس الراحل والمراسيم التي يصدرها الرئيس بشار الأسد حتى وصل به الأمر إلى القول في اجتماع مع موظفي وزارة الكهرباء وفي أماكن عدة: "أرسلت موظفين من عندي نزلوا من سياراتهم وسألوا الناس في الطريق والباصات هل تريدون زيادة رواتب أم تخفيض الأسعار؟ فكان الجواب تخفيض الأسعار لا زيادة الرواتب"! بالله عليكم هل هناك شخص في العالم يرفض زيادة راتبه حتى في الدول الغنية، أليس هذا نوع من كذب المسؤولين الواضح على الشعب؟!
أما وزير المالية فكان همه الوحيد هو استفزاز الناس والتصدي لفرحتهم ولو كانت ترتكز على شائعة! فكلما كانت تنتشر إشاعة عن زيادة الرواتب كان الحسين يقفز إلى الشاشة بوجه كالح ليقول: لا نستطيع زيادة الرواتب.. لكن الرواتب زادت فعلا وبنسبة معقولة ما يعني أن ما كان يقوله وزير المالية ليس صحيحا حتى أن مرسوم تخفيض الأسعار الغذائية لم يشعر به المواطن لا بل إن بعض المواد زاد سعرها، أما الضمان الصحي الذي تبجحت به الحكومة فهو سرقة جديدة للموظف المطلوب فعلى الموظف أن يدفع عشرة بالمئة لمستشفيات خاصة لا ترحم وبالوقت نفسه فإن أغلب الأمراض مستثناة إضافة إلى 250 ليرة سورية كل شهر لتكون هذه التجربة نوع من نهب جديد للموظف، أليس من المفروض أن يكون الضمان الصحي مجانا للمواطنين وفي المستشفيات العامة كما كان سابقا ويكفي وزير المالية فخرا أن ضرائب زادت في عهده أكثر من أي وزير سابق!
أما البطالة فلم تثبت مكاتب العمل أي جدوى بل كل ما نسمعه هو التدليس والغش في هذه المكاتب حتى أن العديد من الموظفين جمعوا ثروات هائلة من وراء التلاعب بالأرقام وتقديم شخص على آخر واستغلال المحتاجين واللاهثين وراء التوظيف! لتفشل هذه المحاولة المتقدمة كما فشلت هيئة مكافحة البطالة.
وهنا أريد أن أعود إلى الإعلام الذي يعتبر عرفيا (السلطة الرابعة) بالله عليكم هل يستطيع أحدكم أن يكمل افتتاحية واحدة من الصحف السورية، هل يعرف أحدكم ماذا يريد رئيس التحرير أن يقول، هل يستطيع أحدكم أن يكمل نشرة أخبار يقدمها التلفزيون السوري الرسمي، والبلد يتعرض لأشرس الحملات الإعلامية المنظمة والمخططة.. لكن أليس لكل سبب نتيجة.. هل قرأ المعنيون بتعيين مسؤولي الإعلام السيرة الذاتية لمن يقود الإعلام السوري، وما هي الدراسات التي قدموها في مجال العمل الإعلامي أو حتى الرؤيا التي يعملون من أجلها.. هل تصدقون أن أهم المراكز الإعلامية الحساسة يقودها من ليس لهم علاقة بالإعلام لا بل إنهم يحاربون كل إعلامي أو صحافي فالصحافي في عرفهم هو موظف دولة والأجدر عندهم هو المدعوم من فوق! أليس هذا تخريباً لدور الإعلام على مبدأ وضع الشخص الخطأ في المكان الصح!
حال القضاء لا يختلف عن حال الإعلام فمنذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع أنه إذا صلح القضاء صلحت البلد وأن تشرشل رئيس وزراء بريطانية وفور انتهاء الحرب العالمية الثانية سأل عن القضاء فقالوا له بخير فقال عبارته المشهورة:"إذا كان القضاء بخير، كانت البلاد بألف خير"وهنا أليس قضاؤنا بحاجة لإصلاح جذري ومراقبة أكبر فبحسب رأي المواطن العادي إن القضاء يزداد فسادا والسبب هو عدم وجود محاكمة للقاضي الفاسد والثاني هو التسريح التعسفي (تسريح الثمانين قاضيا) حيث ازداد القضاة رشوة وفسادا وخصوصا عند غير النزيهين لأنهم يتوقعون أن يسرّحوا في أي لحظة، والسؤال لماذا لا تُشكَل هيئة عليا تحاسب القاضي الفاسد؟ لماذا يكون القضاء تابعا لرئاسة مجلس الوزراء وليس لرئاسة الجمهورية ؟!.. حال القضاء يقودنا إلى حال الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية اللذين لا يصح أن يكونا تابعين لرئيس الوزراء الذي هو قانونيا موظف تنطبق عليه كل القوانين فكيف لجهاز يجب أن يكون رقيبا على أداء مجلس الوزراء؟ يكون تابعا لرئيس الوزراء.. بصراحة من يُحاسَب هو الشخص غير المدعوم والذي لا يعمل على مزاج فلان أو علان!
أداء الوزراء يجب أن يُراقَب من الإعلام أولا، ومن أجهزة الرقابة والتفتيش ثانيا ويخضع للقضاء ثالثا، ولا أحد فوق القضاء فكيف لرئيس الوزراء أن يصرف موظفا من العمل دون محاكمة أليست هذه حماية للفاسدين بطريقة أخرى فمن الذي يُهرَب من القضاء أليس هم المجرمون والمفسدون والمذنبون.
مقالي هذا هو مقال بلسان مواطن سوري قبل أن يكون بقلم صحافي على الرغم من قناعتي أن الإعلام هو العين الساهرة على محاربة الفساد ونقل الواقع.