الكاتب : نضال الخضري

القلق مبرر لأن أيام الجمعة أصبحت مجرد متابعات لما تبثه الفضائيات، ويتشكل وراء الحدث مجموعة من إشارات الاستفهام لا علاقة لها لا بالمطالب السياسية ولا حتى بالاحتياجات اليومية للناس، فنحن على ما يبدو يُراد أن نكتشف خارطة سياسية غير مألوفة، فنستعيد الرؤية لمواقع الوطن بلدة بلدة وكأن هناك مواطنون يملكون اختصاصا واحدا "الرفع على صفحات الإنترنيت".

لا أريد اتهام أحد ولكن رفقا بالأعصاب لأننا أمام صور فقط، وفي العمق نجهل ما الذي يحدث بالضبط بعد أن أصبح الإنترنيت مجالا ملتبسا يصعب من خلاله رسم المشهد، بينما لا يوجد من يرصد على مساحة واضحة ومحددة فيزيائيا... من المسؤول عن هذا الواقع لا يهمني في هذه اللحظة لأنني أريد فقط أن أفهم وأعرف وأكون رأيا، وما يجري يشدني نحو آراء متباينة فيصبح الموقف أكثر من ضبابي.

مطلب الحرية واضح ولكنه لا يبدو أن يتخذ حده الحقيقي خارج الشعار أو المطلبية، فمشروعية طرح هذا المطلب من المفترض أن يتبعها سيلا جارف من العمل كي تصبح الحرية حالة ثقافية وليس مسألة كر وفر واحتجاجات أو انتقال إلى مقلب آخر يبدو أضخم بكثير من مساحة من ينطلقون يوم الجمعة، ولكن القضية ليست عددا طالما أن ما يجري يدعو للقلق ويدفع البعض لعدم تكوين رؤيا.

حتى يعرف الجميع بعض الفوارق فعلينا أن نصف يوم الجمعة كما يحدث تماما، فهناك ترقب بانتهاء صلاة الجمعة ولكن هل سيحدث شيء؟ هذا هو السؤال الذي يظهر عند الإعلامي والمواطن العادي، وغالبا لا يتاح الفرصة للكثيرين كي يعرفوا ما حدث إلى عبر شبكة الإنترنيت، ثم ينتقل الأمر إلى الفضائيات فيفاجئ القرضاوي الجميع في لقطة سريعة تحمل كل معالم التحريض، ويتذكر بعض السوريين أنه تردد كثيرا قبل أن ينزل لميدان التحرير ولكن بعد نجاح الثورة، ويتذكرون أن بعض سكان ليبيا، من شهود العيان طبعا، طالبوه أن يطلق صرخة استنصار لهم، وبالتأكيد فإن السوريون لم يفعلوا حتى اللحظة مثل هذا الأمر، علنا على الأقل، لكن صورة القرضاوي سرعان ما تغيب عن الذاكرة على إيقاع تسارع الحدث فنجد أنفسنا أمام مشاهد تبثها المواقع وتتناولها الفضائيات.

الحالة لا تملك نفس الترقب الذي فرضته الثورة المصرية، فهنا أمر مختلف ينجم عن عامل المفاجأة والجهل، فلا اعتقد أن أي ناشط سياسي أو حقوقي يدعي بأنه توقع ما يجري، أو حتى من قبال مؤسسات الدولة، ومن طرقة الحديق عبر الفضائيات هناك نوع من التعميم حول من يقوم بالتظاهر لأن الحديث عن "الشعب" لا يحمل نفس الصورة التي نشاهدها، فكلمة الشعب توحي بأن هناك تيار لكننا لا نجد تعريفا أو هوية أو تواجا لمثل هذا التيار، لكن المهم ان هناك ما يجري على الأرض غير مألوف ويحمل حتى اللحظة إشارات استفهام بغض النظر عن الشعارات المطروحة التي سيتفق الجميع معها، لذلك فليس من المستغرب أن تجعل هذه الشعارات الحديث العام على الفضائيات سهل لكن الدخول في التفاصيل غير ممكن نتيجة الجهل بنوعية التحركات التي نشهدها.... هذا هو الأمر المقلق.