الكاتب : حازم خضر

من المفيد إجراء مراجعة في الشكل والمضمون للمصطلحات السياسية والإعلامية التي ميزت الخطاب السياسي السوري خلال الأسابيع الثلاثة الماضية وتحديدا منذ بدء الاحتجاجات في درعا وانتقالها إلى محافظات ومدن كثيرة بينها اللاذقية وبانياس وحمص ودوما. فرغم قصر أمد الاحتجاجات نسبيا إلا أن الخطاب الإعلامي شهد تبدلات عميقة بدأت بالحديث في البيان الأول عن مندسين ليتطور إلى عصابات مسلحة مع بث صور للأسلحة والأموال في الجامع العمري في خطوة وجهت رسائل خطيرة في بداية الأزمة، وزجت بالمحتجين في دوائر الارتباط الخارجي بما فيه حمل السلاح خلافا لرواية المشاركين بالاحتجاجات عبر الفضائيات العربية والروايات المشهورة لشهود العيان والحقوقيين السوريين عن سلمية التحرك.

يؤكد تطور المصطلح الإعلامي شكلا والسياسي جوهرا بوجود ارتباك جدي من خلال الانتقال من المندسين إلى العصابات المسلحة إلى بث صور المصري حامل الجنسية الأمريكية بعدما ضبط وهو يصور الاحتجاجات أمام أحد المساجد بدمشق ومحاولة ربطه بوجود جهات خارجية تقف وراء الاحتجاجات قبل أن يتم إطلاق سراحه .

لم تقدم تلك المفردات شيئا لا على صعيد شرح ما يجري في الواقع، ولا تطمينا لملايين السوريين الذين لجأوا ،كما بات واضحا، الى الروايات الواردة على شاشات / الفتنة/ كما سماها الإعلام السوري وخصوصا الفضائيات الإخبارية الأبرز. في المقابل سرت تحت تلك الرواية الإعلامية روايات وإشاعات نمت بشكل هائل حتى وصلت الى الحديث عن ضبط عصابات مسلحة ووجود مقبوض عليهم من جنسيات عربية وتوجيه أصابع الشك بمسؤولية لفلسطينيين وخصوصا من مخيم الرمل في اللاذقية ومن المخيم المجاور للجامع العمري في درعا بالإحداث ما جعل الغموض يزادا كل يوم ويدخل المشاهد والمتابع في متاهات لم تجب عن أسئلة بسيطة وضرورية جدا في مثل تلك الاحتجاجات : من يقف وراء الفتنة ومحاولات العبث بأمن البلاد والعباد ؟.

الأرجح أن يبقى السؤال مفتوحا وواسعا خلال الفترة المقبلة طالما لم تظهر على الشاشات ما يفسر ما يجري ، بمعنى تقديم من تم القبض عليهم من المسلحين ومدى علاقتهم بتلك الأحداث من جانب وتقديم رواية متكاملة لما يجري وبالتأكيد باتت متوافرة بعد مرور كل تلك الأيام من بدء الأحداث .. وفي ذلك تطمين مهم للملايين من جانب،ووضع المسؤوليات على أصحابها بدلا من توسيع دائرة الاتهامات كل يوم من قبل وسائل إعلام وشخصيات ومحللين لدول وعواصم تزدادا كل يوم.

وأكثر من ذلك ثمة مناخ يغذيه شهود العيان عبر الفضائيات وناشطون وسياسيون ومحللون ولكل واحد من هؤلاء أجندته وحساباته وهو مناخ موات تماما للإشاعات والتهويل وإدخال السوريين في دوامة الخوف والقلق وربما أكثر من ذلك بكثير.

الأسئلة كبيرة ومتوالية ، ولن يجيب عليها سوى الاعلام الرسمي السوري المطالب بالفعل بإجابات واضحة وتقديم المعلومات التي تحترم ذكاء المشاهد والمتابع كي لا يذهب الى فضائيات الفتنة . !!