دمشق- مازن بلال

تزامنا مع زيارة وزير الخارجية التركي محمد داوود أوغلو إلى سورية ولقائه مع الرئيس بشار الأسد، فإن الحدث الداخلي بقي يملك نفس الإيقاع حيث التقى الرئيس فعاليات شعبية من حلب، ويتجه النشاط الدبلوماسي السوري وفق المؤشرات باتجاه يعاكس بعض الدعوات التي تقدم إيحاء على مساحة من الغموض التي تلف مستقبل سورية، فالاتصال الهاتفي بين الأسد ومدفيديف يقدم أكثر من مؤشر في التعامل مع دمشق مع محاور سياسية مختلفة توحي بالتماسك الداخلي.

ولا يبدو التفكير السياسي من جانب القيادة السورية يتجه إلى عمليات فصل داخل الحدث نفسه، فهي لا تريد اعتبار ما يجري شأنا داخليا فقط، بل يطال أيضا أي ترتيبات إقليمية لاحقة، على الأخص أن خارطة الشرق الأوسط مازالت حتى اللحظة تشهد تحولات غير مسبوقة، والملاحظ هنا مسألتين أساسيتين:

الأولى نفي الإرباك السياسي وهو ما تفترضه السياسة الدولية عند أي حدث داخلي، حيث تجاهلت سورية التصريحات الأمريكية على وجه التحديد، رغم أن الإعلام السوري الرسمي والخاص علق أكثر من مرة على الموقف الدولي الذي تلخصه واشنطن حتى اللحظة بمسألة "العنف تجاه الاحتجاجات"، لكن لم يصدر موقف رسمي تجاه هذا الموضوع، وفي نفس الوقت بقيت دمشق تمارس التحرك السياسي الإقليمي أو الدولي، وربما على عكس ما حدث ويحدث حتى الآن في بعض الدول العربي فإنها بقيت تتعامل مع الحدث الداخلي وفق سياق "سيادة الدولة" وهو ما يعتبره بعض المراقبون نقطة لصالحها رغم ان الأسبوعين الماضيين دفعا الموضوع السوري إلى قمة الاهتمام الإعلامي على الأقل.

الثاني اعتبار أن الموضوع الداخلي يتحرك وفق أجندة تعتبر أنها تجاوزت الشكل "النمطي" لما حدث في دول أخرى، فالمسألة ليست تجاوب مع المطالب بقدر كونها وضع هذه المطالب ضمن اتجاهات يمكن أن تؤدي إلى تدعيم السياسة الخارجية وليس العكس.

ويبقى الشأن الداخلي هو الأهم وذلك خارج مسألة المطالب السياسية أو الاقتصادية، لأن مسألة اللقاءات التي تتم حاليا على مستوى الرئاسة تقدم مؤشرا على "مرحلة دستورية" جديدة بكل المقاييس، فإذا كان صحيحا أن مثل هذه اللقاءات كانت تتم ولو بالتماس المباشر مع الناس وهو ما قام به الرئيس أكثر من مرة، لكن المسألة هنا لا ترتبط فقط باللقاءات بل بنوعيتها وربما بقدرتها على بلورة رؤية تدفع الحراك السياسي باتجاه جديد.

عمليا فإن سورية تشهد حالة غير مسبوقة على مستوى الترقب الذي يحدثه التحرك العام في سورية، أو وفق نوعية الإجراءات التي تجريها الدولة ويمكن أن تمثل تحولا في بنية الحراك السياسي العام والرسمي، وإمكانية هذا التحول هو الذي يؤشر على المرحلة الدستورية التي ستمس في مرحلة اللاحقة أهم المؤسسات أي مجلس الشعب، فالسؤال المطروح كيف يمكن أن تكون الصورة القادمة لانتخاباته؟ وهل يمكن أن تظهر مساحات إضافية داخله؟

هذا السؤال مطروح عمليا على كل الفعاليات السياسية الموجودة عمليا داخل الجبهة الوطنية التقدمية، وهو تحد أمام الشارع السياسي عموما الموجود خارج الجبهة لأن مسألة تطوير مثل هذا الحراك مازال ينتظر "الرؤية السياسية" التي لا يمكن جعلها مسؤولية على طرف واحد، لأنها شأن حيوي ومستمر.