الكاتب : نضال الخضري

عندما يتشكل الحدث السياسي فهو يحضر معه كل التكهنات وأحيانا التداعيات، لكنه ينقلب باتجاه مختلف وهو يحاكي المجتمعات التي خبرت تاريخ قل نظيره في العالم، فالمسألة لا تقف عند حدود الخطاب السياسي أو الثقة بالنفس التي نستطيع قراءتها في أي حديث عادي أو تصريح رسمي، لأنها ربما تدخل في مجال "معاندة الجغرافية"، فهل نقرأ كسوريون الحدث من تواجدنا على تلك الأرض أم من إرث طويل يدفعنا للحذر دائما، أم أن المستقبل هو الهاجس الذي يتربع على عقلنا مهما كان موقعنا؟

هو خليط من كل شيء، وهو أيضا تلك القدرة على امتلاك الحيوية في اللحظة المناسبة، فشغفنا بالاستقرار ربما يتجاوز حتى الشعار السياسي، لكنه استقرار لا يشبه الهدوء الذي توحي به الكلمة، فهو انسجام مع فهمنا لسورية، ومعرفتنا بأن "معاندة الجغرافية" فشلت سابقا وستفشل في أي لحظة لكننا نفكر دائما بالثمن، فليس مهما البحث عن خيوط طالما تشابكت حولنا، أو تداعت لترسم لنا سياسية خارج ما اصطلح على تسميته ثوابت لكنه في الحقيقة "أساس وجودنا" كسوريين.

في اللحظة الراهنة تظهر كلمات "المؤامرة" و "الفتنة" في خطاب الإعلام المنقسم عربيا على وصف ما يجري في العالم العربي، لكن المسألة بالنسبة لنا هي تجاوز لهذا الخطاب طالما أننا نعرف تماما نوعية الأزمات التي تحيط بنا، ونعرف أن الأمة السورية مجتمع واحد ليس بحكم الفكر السياسي للأحزاب بل بحكم التاريخ والمصلحة التي تبلورت وتتجدد دائما، بينما نصبح مغرمين بتلك القدرة على تجاوز الأزمات.

المسألة أننا نتحدث اليوم عن سورية بنسيجها الذي يبدو معقدا بنفس الدرجة الذي يبدو فيه سلسا وقادرا على استيعاب ما يحدث، فالموضوع ليس غرورا بل ثقة بالجميع وبأن جغرافيتنا هي ملكنا حتى ولو استطاع البعض الدخول والخروج منها لكنه في النهاية سيجد أن حكم التاريخ سيبقى أقوى... والقضية سورية بامتياز لأن ما حدث هو اختبار لهذا الوجود وذلك يغض النظر عن الروايات أو وصف ما يجري، فما نعرفه عند كل لحظة مماثلة أن التحدي يكبر لكن يدفع لأفق مختلف... تحد أمام الجميع دون أن نميز في مثل تلك اللحظات تصنيفات إجرائية فهناك مدخل جديد سيعرفه الجميع حتى ولو شعر بالقلق أو الخوف، لأن المسألة ليست دولة ومجتمع وتيارات أو حتى احتجاجات، فهو في النهاية حكم التاريخ على جغرافية لا يمكن عنادها تطمح لصورة أفضل وتبحث عن استقرارها مع الممانعة والمقاومة والارتقاء والتنوع والبحث عن شغف جديد في كل لحظة.