الكاتب: مازن بلال
الحدث الأبرز ظهر مع التحرك السياسي الذي جاء نتيجة لأحداث يوم الجمعة، فلقاء وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال وليد المعلم مع البعثات الدبلوماسية المعتمدة في سورية لم يكن مجرد رد على جملة تصريحات أوروبية وأمريكية فقط، بل قدم مؤشرا على الآلية السياسية القادمة، خصوصا أنه تزامن مع بيان وزارة الداخلية بأنها "لن تتهاون" مع اعمال التخريب.
وفي الوقت الذي شيعت فيها درعا من سقطوا فإن مناطق أخرى في سورية شهدت تشييع رجال الأمن الذين قضوا في نفس اليوم، بينما تناقلت وكالات الأنباء رسالة لـ"علماء حمص" مرفوعة للرئيس بشار الأسد، وموقعة من عدد منهم وورد فيه أيضا حسب نفس الوكالات اسم مدير أوقاف حمص، ولم تختلف بنود الرسالة عن "المطالب" التي رفعت سابقا لكنها حوت تفصيلات إضافية متعلقة بالمادة الثامنة من الدستور وبالانتخابات.
وتأتي هذه الرسالة بعض تصريحات للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي نهاية الأسبوع الماضي تحدث فيها عن نوعية الإصلاحات، حيث أوضح أن هناك وعود بإنشاء محطة تلفزيونية دينية، واللافت في هذه التطورات أنها تنقل مجموعات إجراءات إلى مجال التنفيذ، وتحمل معها بعدين أساسيين:
الأول التعامل مع مسألة التظاهر التي باتت تحمل نوعا من "التقليد" خارج إطار المطلبية السياسية، فهي تظهر يوم الجمعة وتتفاوت في حدتها أو في الأحداث المرافقة لها، فالدول باتت تنظر إليها من زاوية مختلفة مرتبطة أساسا بما يترافق معها من "واقع أمني" مقلق وذلك بغض النظر عن نوعية الروايات التي يتم تداولها في الإعلام، فلقاء المعلم مع البعثات الدبلوماسية وبيان وزارة الداخلية يقدمان "البيئة" القادمة لمواجهة "ظاهرة" باتت تتحرك ضمن مجال واحد، وربما لا تقدم جديدا للحراك السياسي، وهي من جهة أخرى وعلى الأخص في منطقة درعا بؤرة احتكاك من الصعب التحكم بها دون تصفية النتائج وهو ما يتطلب هدوءا أمنيا على الأقل.
عمليا فإن إحالة رئيس فرع الأمن السياسي في درعا والمحافظ إلى القضاء تراه الدولة بداية مناسبة لأي عمل قادم، ولكن السؤال يبقى في التفاصيل التي يمكن تطبيقها على الأرض سواء في درعا أو في المناطق الأخرى، خصوصا أن تثبيت الأمن يشكل أولوية لكسر تلك الظاهرة التي تحمل شقا سياسيا لكن "واقعها الأمني" هو الأكثر وضوحا لأنه فيه ضحايا ودماء إضافة لتوضيح حقائق من هو مسؤول عما يجري، فالرواية الرسمية متيقنة من وجود "عصابات"، وهو امر لا يمكن طرحه بقوة دون استكمال التحقيقات، وفي نفس الوقت لا يمكن تحديد المسؤوليات دون عودة درعا بالذات إلى حياتها الطبيعية.
الثاني يرتبط بنوعية الاستجابة الاجتماعية وعلى الأخص في درعا للإجراءات الحكومية، فالمسألة في هذه اللحظة بالذات ليست فقط "إجراءات" تقوم بها الدولة، وعلينا تذكر أن ما جرى وبغض النظر عن "الحرب الإعلامية" على الروايات يحتاج لأخذ بعين الاعتبار أن درعا بالذات ماتزال تعيش محنة قاسية، ومن الصعب على أهاليها أن يتعاملوا على أن الأمور يمكن ان تعود كما كانت علية قبل 15 آذار، وهو ما يجعل المهمة القادمة نوعية سواء لجهة الدور الذي يمكن أن تقوم به "النخب" في المدينة أو لآلية التعامل الحكومي معها، فالمسألة اليوم تحمل حزمة سياسية لكنها في نفس الوقت يمكن تحمل معها أيضا تفكيرا بنيويا يعيد النظر إلى تلك المنطقة ككل.
دفع الاستقرار إلى درعا ليس حلا أمنيا بذاته، فلابد من بناء تصور جديد للمنطقة بعد قراءة ما حدث بدقة، وهو أمر لا تتحمله الدولة أو أهالي درعا لأن المجتمع بأكمله مطالب بالتعامل مع هذا الموضوع، وتشكيل تفكير جديد في كل المناطق السورية التي على ما يبدو تتشكل مركزيا حول المدن الكبرى، فالشق السياسي الذي ظهر كشعارات ربما يكون أساسيا لكنه يجب أن يحمل تفاصيل تتعامل مع الخارطة السياسية والسكانية لسورية بشكل بعيد عن أي تصور نمطي.