الكاتب : نضال الخضري

لكل من يريد أن يدلوا برأيه فليفعل، لكن المسألة لم تعد مجرد رأي ذاتي، فالحدث السوري يأخذ أبعادا جديدة ربما برزت مع قدرة أصحاب التراث على اقتناص اللحظة، فإذا كان من حق البعض توجيه رسائل فإنهم يدخلون أحيانا مجالا يسعى إلى إضافة المزيد من التشويش، فالتراث وحتى الدين لا علاقة له بما يجري حتى ولو أدعى البعض أن الفكر الديني على الأقل يمكن أن يحرك الناس.

ما يبدو لي في هذه اللحظة أن مجال السياسة يصبح رماديا في اللحظة التي يدخل التراث إلى نطاقه، لأننا نصبح مقيدون بالماضي وبإيقاع التراث وربما لا ينقصنا سوى فتوى على سياق "حالة الطوارئ حرام" أو حتى "الحريات السياسية حلال" و "الاعتقال السياسي مكروه"، فعندما يدخل التراث إلى مجال السياسة فإنه يجهل أنه يدخلها بصفته الاعتبارية وليس بمجرد إبداء الرأي، ويتجاهل أيضا طبيعة سورية وربما دساتيرها منذ الاستقلال وحتى اللحظة.

نحن نشهد فورة في "الرأي" وربما علينا التمييز، فإذا كان لا يحق لنا إسكات أي رأي، ففي نفس الوقت علينا مراقبة ظاهرة ربما تمتد مستعينة بالحدث لتطفو على مساحة ما يجري، واقتناص الحدث هي سمة "الأشخاص الاعتباريين" مهما كان موقعهم، فما الفرق بين تراثي يظهر اليوم فجأة وآخر يجلس في أقاصي الدنيا ويبدأ الحديث والتنظير، فكلاهما من خارج دائرة ما يحدث ويستخدم الحدث هي يؤكد "صفته الاعتبارية".

ما حدث في سورية تراكبت فوقه خطوط عديدة، لكنه في النهاية لامس وجدان الناس وتداخل مع ذاكرتهم وربما مع رؤيتهم، والتحرر من كل الماضي عند النظر للمستقبل ربما يكون ضرورة حتى نستطيع أن "نتجاوز" ما يجري نحو المستقبل، وليس نحو اللحظة الحاضرة أو حتى نحو الماضي، والمشكلة أن كل من طالعنا برأي جاء من الماضي، واستند إليه وربما استوطن داخله.

كنت أتمنى أن أسماع صوتا "شابا" ينقل الخبرة المكتسبة في حرصه على سورية، لكن بالتأكيد فإن الفضائيات تهتم بالنشطاء وهو أمر طبيعي، وتنقل لنا رسالة "علماء حمص" لأنها تحاكي ظاهرة غير بعيدة عن ظاهرة القرضاوي في اقتناص الدنيا من اجل إصدار حكم شرعي.

ما يحدث في سورية يجب أن يكون عميقا يلامس المجتمع، لا أن يطفو على صفحات رجال التراث أو يبقى أسير التنظير السريع ورسائل البث المباشر في الفضائيات، ولا حتى في مساحة تجوال الكاميرا لتنقل المطالب الحياتية، لأن هذه المطالب تحتاج لتفكير يعيد صياغة المؤسسات ليس بعيدا عن الفساد بل أيضا لتصبح على تماس مع الناس فتنظم هذه الاحتياجات بدلا من ان تجعلها رسائل قصيرة تطفو على شاشة التلفزيون.

رجال التراث لهم الحرية في قول ما يريدون ولكن عليهم ان يتذكروا صفتهم الاعتبارية وأن رأيهم ليس شخصيا فما يقولونه لا يصب إلا لتأكيد مرجعيتهم المعرفية وليس في أي مساحة أخرى.