الكاتب : حازم خضر

تفضح الالتفاتة الإعلامية غير المسبوقة من الصحف والفضائية السورية على المطالب المجتمعية تقصيرا حكوميا مزمنا أكثر مما تقدم صورة عن تعاطيا إعلاميا رسميا جديدا مع تلك المطالب بكل شفافية كما أراد القائمون على تلك الالتفاتة كما يبدو.

فالمتحدثون على مدى الأيام العشرة الماضية على صدر صفحات الصحف أو في الفضائيات وحتى الإذاعات الخاصة التي فتحت ساعات بثها ، فضحوا غيابا كاملا لأبسط الخدمات والبنى التحتية والمطالب البسيطة والأساسية من أقصى شمال البلاد الى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. وهي مطالب بأغلبها معروفة ونلمسها جميعا في أي مكان كنا ريفا أو مدينة.. لكن أحدا لم يتوقع يوما أن يصلها العلاج!!.

ثمة شكاوي مزمنة جرى التعامل معها دوما على أساس من الاستخفاف آو الوعود الخلبية في أحسن الأحوال في المستوى المعيشي والخدماتي البسيط وتراكمت على مدى عقود إلى أن تحولت إلى مادة أساسية في كثير من الاحتجاجات التي تشهدها مدننا اليوم. وإذا كانت كثير من تلك المطالب أعلنها المحتجون بعيدا عن الإعلام الرسمي الذي كان غائبا على الدوام ولا يرى تلك المشكلات فإن التعاطي الجدي معها مهم وضروري ولا علاقة له ببرنامج الإصلاح الجاري العمل عليه اليوم. فالبحث في ملف الأراضي المستملكة في المعضمية والبطالة في دوما والأراضي الحدودية في درعا ومشاكل قضائية وزراعية وانتشار البطالة وغيرها الكثير ما يشبهها في مختلف المحافظات تحتاج الى قرارات إدارية عاجلة على المستويات المحيلة ولا حاجة لانتقالها للتحول الى شغل شاغل للبلد بأسره وهو ما يعيد طرح أسئلة أكثر عمقا تتصل بحالة الترهل في السلطات المحلية التي أوصلت الأمر إلى ما وصلت إليه ومدى تطبيق المحاسبة في هذا الباب.

كان من الممكن أن يلعب الإعلام دورا أكثر فاعلية في هذا الباب لو أنه تناول تلك القضايا بجدية قبل اللحظة التي خرج بها الناس إلى الشارع للمطالبة بها. لكن دوره اليوم لا يتعدى اللحاق بحركة الناس. والخطر أن يعود إلى حالته السابقة من الغياب بعد عودة الأحوال إلى طبيعتها.

ثمة تقصير مهم لا تستطيع التغطية الحالية بتعويضه ،كما أنه من غير المنطقي ، في جانب آخر ، وضع كل تلك الملفات المتراكمة على كاهل الحكومة المقبلة وبالتالي مطالبتها بحل مشكلات عمرها عقود خلال أسابيع أو أشهر قليلة . الحال تتطلب تلك القضايا الى البدء بورشة عمل يشارك بها الجميع حكوميا ومجتمعيا تنفض الغبار عن كثير من الملفات التي غطاها الغبار وتحولت إلى مادة للاحتجاج والبدء بالتالي بحلول على الأرض.