الكاتب : سها مصطفى

لا يبدو أن بعض المعارضة السورية استفادت من التجارب الماضية في تعديل خطابها أو على الاقل رفع مستواه، ذلك أن الرعيل الاخواني المفتت والمشرذم في المغترب والمتفتق عن بضعة أشخاص يقدمون انفسهم على انهم مما يدعونه بالقيادات’ من هنا وهناك، سيخرجون تباعا على شاشات الفضائيات، متلبسين حينا بمظهر المدافعين عن الشعب السوري والناطقين بلسانه، وحينا آخر بمظهر الضحية والمتاجرين بدماء الشعب السوري من ضحاياهم حتى من المريدين بلا كلل او ملل...ودون جردة حساب حتى اليوم من هذه القواعد ’إن وجدت’ لقياداتها الفارة، وماجرته عليها من كوارث إن تجرأت!

رغم ذلك لايزال اولئك المعارضون يخرجون علينا بمظهر المسيح المصلوب، المظهر الأخير لا يليق بمجرمين لم ينسى الشعب السوري تاريخهم الاسود، تاريخ يبدأ وينتهي بالمجازر في حفلة دم حصادها السوريون خلال ثمانينات وسبعينات القرن الماضي، غير أن ذاكرة المعارضون الاخوانيون جدا قصيرة جدا وتحتاج الى انعاش بين الحين والآخر...

احد المعارضين يقدم نفسه على أنه من دعاة تحرير سوريا، لكنه لم يخبرنا من ماذا مثلا؟

المعارض الذي لا يعلم الكثير عن الشارع السوري اليوم، سيلهج بالطائفية مدخلا لخطاب يقف عند اعتاب الثمانينات في افضل الاحوال، شفيعه الدين الإسلامي ’كما يظن’ في تكفير ’نظام’ حمل وعليه أن يحمل ’إثم الكفر’ وفق منظور طائفي ملتبس عمدا للدولة السورية ومكوناتها واطيافها المتعددة، لكنه يعمم مع ذلك بفجاجة وصفاقة من معارضين طائفيين يبحثون عن مريدين يشبهونهم، رغم كونهم للمفارقة ’هذه المعارضة’ ديمقراطية جدا وفق الختم الامريكي، ومهمة المعارضة الباسلة هذه، تحرير سوريا بـ’حمام دم’ لادخال ’الديمقراطية الامريكية’ هذه رغما عنا الى بيوتنا، ولا نعلم إن كان هؤلاء الاخوانيون يمارسون هذه الحرية وهذه الدمقرطة مع نسائهم مثلا على الاقل في المغترب!

اي أن تنطلق هذه الدعوات للحرية من داخل المنزل لتعمم في الشارع وفق النوايا الادونيسية الحسنة للعقل العربي وتلافيفه البدائية المغرقة في الطقوس وقننها!

غير أن الحديث المتشدد للمعارضة يعزف على وتر واحد بلا خلفيات ومن خلاصة محملة بنتائج مسبقة، مضخمة على هوى المُعارض وتماشيا مع رغباته السلطوية مستقبلا، فالـ’نظام’..بما يحمله الاصطلاح من مغزى طائفي غير معلن هو من’ارتكب (مجازرا) في حماة وغيرها’، وارقام الضحايا في كل لقاء سترتفع وتتناسل وتتكاثر حتى تتضاعف!

لكن مافاتهم أن تلك النتائج والارقام المبتورة من سياقها لا تنفع مع من يمتلكون ذاكرة، ما اضطر بثينة شعبان المستشارة الرئاسية السورية لتصحيح ذاكرة رواده وابطاله ’الاخوان المسلمين’ بالحديث عن المجازر التي ارتكبتها الجماعة ’الاخوان’ في اللاذقية ودمشق وحلب وحمص بقتل خيرة النخب من مختلف الطوائف بهدف خلق حرب اهلية وفتنة بين السوريين عام 1979، وذلك في معرض تناولها لاحداث اللاذقية الجمعة 25 آذار الماضي على احدى الفضائيات.

لكن مالم تلاحظه معارضتنا الديمقراطية جدا أي ’الاخوان ومن حذا حذوهم’ أن العصر اختلف، فهم ورغم حداثة الادوات الاعلامية المستخدمة في هذه الحملة، التي لم تنجبها ثقافتهم الوهابية المغلقة من الفيس بوك والفضائيات والخليوي وغيره، إلا أنهم لم يخيبوا أملنا وحافظوا على الخطاب ذاته القائم على استغباء المتلقي واستجداء شفقته وعطفه عبر التجييش الطائفي والظهور بمظهر الضحية... على حاله كما هو!

فلا داعي، للدخول في سياق الاحداث من مجزرة الازبكية في دمشق التي لايزال بعض من ضحاياها من الاطفال الصم أحياء الى اليوم.. عدا من قتل مثلا، أو الدخول في تفاصيل مجزرة المدفعية في حلب وغيرها، مما استوجب الرد بعملية حماة التي حسمت الصراع الاخواني الدموي واعادت الهدوء للشارع السوري.

لا بأس! المصطلح ’مجزرة’ سيتردد تباعا على السنتهم ضمن ثقافة الارتزاق والاتجار بدماء ضحاياهم من الطرفين من المريدين ومن الشارع السوري، لكنهم لن يتوانوا عن استخدام الاصطلاح الاخير على امل ان يتمكنوا يوما من غسل ايديهم القذرة من الدم، من أجل معارضين لاتكفيهم كل الدماء التي سالت في حقبة سابقة ومؤخرا للانتقام من الماضي...أمام لفظهم من الشارع السوري وخسارتهم المعركة...شهوة الدم والانتقام باقية...باقية حتى اشعار آخر وان اختلفت ادواتها ووسائلها!