الكاتب : مازن بلال

بعد شهر لم يعد هناك مفاجأة للحدث السوري، فعلى الأقل أصبحنا قادرين على الدخول في محاولة لقراءة المشهد العام بعيدا عن الضغط الإعلامي الذي بدت وظيفته تفويت فرصة البحث في الأسئلة التي فتحها الحدث السوري منذ منتصف شهر آذار، فعلى الأقل نحن أمام شعارات أكثر حضورا من غيرها، وربما هدوء حذر في البحث عن مخارج سياسية لأن الاحتجاج بذاته ليس غاية، وهو إن لم يستطع رسم خطوات قادمة فإنه سيدخل أيضا في أزمة "التوازن القلق" الذي يضع طرفي المعادلة وكأنهما عاجزين عن تحقيق مكاسب أو كسر الجمود في الحراك السياسي.

بالتأكيد فإن الدولة قدمت "مشروع حزمة إصلاحات"، وهو في شقه الاقتصادي سار بشكل اعتيادي، لكن أزمة الجانب السياسي بقيت على حالها رغم أن عنصرا واحدا على الأقل تم تحقيقه من هذه الحزمة وهو مسألة "التجنيس" للسوريين الأكراد، لكن الأزمة على ما يبدو ليست في الإصلاحات بذاتها بل لأنها ظهرت كـ"مهام" لهذه المرحلة معزولة عن أمرين:

الأول هو الرؤية العامة التي تم بناء عليها وضع حزمة الإصلاحات، وعندما لا ترسم الرؤية يصبح القفز على مسألة الإصلاح ممكنة سواء من طرف الحكومة أو حتى "المتظاهرين"، لذلك لاحظنا كيف تم تجاوز سقف الإصلاحات بشكل سريع فارتفع سقف المطالب على الأقل لم ظهروا على الشاشات من "النشطاء"، أما على الطرف الرسمي فظهر وكأنه يحاول "اللحاق" بهذه المطالب علما أنها بقيت في حدود "المطالب" ولم يظهر تيار يحمل برنامجا واضحا لها، فالاحتجاجات بدورها لم تملك "رؤية" فهي كانت تخوض "تجربة الاحتجاج" فقط وتحاول أن التعويض عن فقدنها لهذه الأمر، وربما فقدانها أيضا للكم العددي، إلى التركيز على الناحية الأمنية فقط

بعد شهر من الحدث المتسارع هناك نقطة ثابتة تجتذب الحدث متعلقة فقط بـ"المهام الحكومية"، وعلى الجانب آخر في القدرة على الإثبات بأن الدولة غير قادرة على تحقيق الإصلاح، فالتظاهرات أرادت تثبيت نقاط على الخارطة السورية فقط، ولا نعرف كان غرضها "التشكيك" بشرعية الدولة؟!! وهذا الأمر مستبعد طالما أنها ترمي مطالبها في خضن الدولة وتجتمع مع الرئيس لبحث المشاكل، وهو ما يعيدنا إلى أن المسألة مازالت تفتقد للرؤية التي تستند إليها المهام الإصلاحية المطروحة.

الثاني مسألة "التداعيات" التي كانت تظهر ويحاول كل طرف إسنادها للآخر، فالتظاهرات كانت تراهن على التداعيات والاحتمالات التي يمكن أن تضرب المؤسسات السياسية السورية نتيجة الاحتجاج، فرهانها أساسا ليس كمن وحجم التظاهرة ولكن على الحدث بذاتها وما يمكن أن يخلفه من نتائج، لكنها في نفس الوقت عزلت نفسها عن التداعيات التي تصيبها وربما تجاهلت أنها لم تشكل حتى اللحظة تيارا ولو افتراضيا، وأنها مازالت تتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي وتحاول استغلال الإرباك العام لذلك من السهول أن يتم اختراقها ومن جهة أخرى من الممكن أن تجد نفسها في موقع جديد ربما لا تريده، ولسنا هنا أمام مناقشة مسألة المؤامرة لكن صفحات الفيس بوك التي تدعو للتظاهر هي بعيدة عن التداعيات لأن القائمين عليها بمعظمهم خارج سورية، ومن التداعيات التي أصابت الحركة الاحتجاجية مسألة "التمثيل"، ففجأة تبدو "جبهة الخلاص" الناطق باسمها، طبعا مع شكوكنا بأن هذه الجبهة موجودة لأنها على ما يبدو هي تجمع للتدخل السياسي السريع، وفي أحيانا أخرى يبدو النشطاء أو دعاة حقوق الإنسان هم الممثلين، وفي النهاية فهذه التداعيات ضربت بالفعل حركة الاحتجاج ومنعتها من تشكيل ظاهرة خاصة.

هل يمكن رسم الرؤية أو البحث عن التداعيات بعد شهر من الأحداث السورية؟ على الأقل هناك ضرورة لهذا الأمر ومن جميع الأطراف، لأن التكوين السوري الذي ظهر مختلف تماما عن باقي التحركات العربي، وهو بحاجة لإبداع حالته التي يمكن أن تقدم تشكيلا مختلفا على الأخص أن الثورات اللاحقة لثورة مصر بدأت تخلق في نطاق "الأزمات" الإقليمية بدلا من الانطلاق نحو أفق جديد.