الكاتب : جورج حاجوج

يُسجَّل ليوم الجمعة 15 ـ 4 ـ 2011 أنه انقضى بشكل سلس ولائق وهادئ ومحترم، وبعيداً عن أيّ شكل من أشكال الاحتكاك بين المتظاهرين ورجال الأمن في كل المدن والبلدات التي شهدت احتجاجات ومظاهرات.. بعيداً عن مظاهر العنف والتخريب والعبث بالممتلكات العامة أو الخاصة.

يسجَّل لهذا اليوم أنه انقضى من دون استشهاد أحد، ومن دون إهدار قطرة دم واحدة، من هنا أو هناك، لأنها في نهاية المطاف دماء السوريين.. وبصرف النظر عن أعداد المحتجين التي تبدو معرفتها كمن يمضي في متاهة تجره إليها الحروب الإعلامية!.

خلال هذا اليوم، المختلف عمّا سبقه من الأسابيع المؤسفة الماضية، يمكن القول إن المحتجين وعلى اختلاف مشاربهم ومدنهم وبلداتهم، وبصرف النظر عن أعدادهم، عبّروا عن حقهم في التظاهر والدعوة إلى الإصلاح والحرية وغيرهما بشكل حضاري يليق بحق التظاهر.. وفي المقابل فإن القوى الأمنية وعلى اختلاف أنواعها استطاعت أن تواكب هذا اليوم بشكل لائق وبعيداً عن الاستفزاز وعن أيّ شكل من أشكال العنف والعنف المضاد.. وهذا يعني ببساطة، نقطة تحول في التعاطي مع مبدأ التظاهر والاحتجاج وفهمه، وتثبيت هذا الفهم على الأرض بوصفه حالة طبيعية ومشروعة، حقوقياً وديمقراطياً، لكنها مشروطة بالابتعاد عن المساس بالمقدرات العامة والخاصة، ومشروطة أيضاً بالابتعاد عن تهديد السلم الأهلي بأيّ وسيلة كانت وتحت أيّ شعار أو عنوان أو ذريعة.

الأمل في أن يكون هذا اليوم بداية لتأسيس علاقة عصرية وحضارية وراقية بين الشارع ونبضه الذي يمتلك رأياً ورؤية للحاضر والمستقبل من جهة أولى، وبين الدولة ومؤسساتها من جهة ثانية، على نحو يمكن معه هضم واستيعاب وتنظيم وضبط إيقاع العلاقة بين المختلفين في الرأي "مؤسسات أو أحزاب أو تجمعات أو أفراد..".. هذه العلاقة التي يمكن لها وحدها أن تكرّس المعنى الحقيقي والمعاصر لفكرة الاختلاف في الرأي.. وهذا هو المطلوب إنجازه في الوقت الراهن.

كان ملفتاً في هذا اليوم، أن يقوم الإعلام الرسمي "سانا ـ الفضائية السورية ـ الإخبارية السورية" بالإشارة إلى وجود تجمعات في "عدة مناطق من المحافظات" رددت هتافات "تنادي لسورية والحرية والشهيد، دون تدخل من القوى الأمنية، ولم تحدث أعمال شغب أو تخريب" حسب وكالة سانا.

كان ملفتاً وإيجابياً أن تذكر وكالة سانا أنه "وفي درعا تجمع آلاف الأشخاص في ساحة القصر العدلي بمدينة درعا عقب صلاة الجمعة ورددوا شعارات حرية حرية وسلمية سلمية في ظل عدم وجود لقوى الأمن والجيش".. كان ملفتاً وإيجابياً أيضاً أن تذكر سانا أنه "وفي بقية المحافظات شهدت مدن الدرباسية والقامشلي ودير الزور وحمص وبانياس وجبلة والحفة وحماه وبعض مناطق ريف دمشق تجمعات محدودة انقضت معظمها دون احتكاكات مع قوى الأمن كما أن الحياة تسير على طبيعتها المعتادة".. هذه نقلة نوعية في التعاطي الرسمي مع الحدث ولا بد أن تستمر منعاً لأن يسود منطق الاصطياد في الماء العكر والتطبيل والتزمير الذي تعشقه الكثير من الفضائيات ووكالات الأنباء، وقطعاً للطريق على منطق التهويل والنفخ في الحدث!.

سماها المحتجون "جمعة الإصرار".. إذا كانت هذه الجمعة نموذجاً للتظاهر أو الاحتجاج على هذا النحو السلمي والحضاري، فلا عيب في هذا ولا ضرر وهو حق طبيعي، وبقطع النظر عن التسمية "إصرار أو غيره".. أما إذا كان التظاهر على النحو المؤسف والمؤلم الذي شهدناه في الأسابيع الماضية فلا أهلاً ولا سهلاً به وليعُد من حيث أتى.. لأنه إن كان كذلك فهو لا يعبّر عن حالة معاصرة وحضارية، إنما يعبّر عن طلب العبث والخراب لحاضر ومستقبل سوريا وأبنائها.. أكثر من هذا، هو يعبّر عن الانسياق نحو نفق مظلم ومصير مجهول!.