الكاتب : سها مصطفى

ينطلق التغيير الحكومي من صناعة القرار، الامر الاخير يعتبر بحكم الازمة أمام عدم وضوحه محليا، ومثالنا قرار رفع سعر المازوت الصادر منذ عامين والذي لم تنته تبعاته إلى اليوم والذي كان عاملا في رفع التضخم والغلاء واستياء الشارع السوري، حصاده وفق الاعتراف الحكومي تشريد مالايقل عن 60 ألف عائلة من الجزيرة السورية الموصفة بالخزان الغذائي لسوريا.

اليوم وعلى اعتاب إصلاح اقتصادي، تصبح جدية الاصلاح الأخير مرهونة بماكينة الإصلاح السياسي وحجم التغيير ليس فقط في وجوهها وانما في طرق التعاطي وادواتها وهيكليتها، مايجعل صناعة القرار ملفا متشعبا يحفل بالعديد من الازمات أمام توفر ثقافة عامة تقوم ذهنية الحلول الترقيعية وليس الجذرية، في حالة من الاكتفاء بتسيير الأزمات وتعليقها إلى أجل غير مسمى وليس حلها.

الامثلة أكثر من أن تحصى في عدة قضايا عالقة، تبدو حيالها الحكومة والدولة للوهلة الأولى عاجزة، لكنها فعليا تملك زمام حلها.. كأزمة السكن وأزمة العشوائيات وغيرها من الأزمات...التي جل ماصدر من قرارات رسمية بشأنها سابقا هو حلول جزئية مبتسرة، غالبا ماتشكل مع تقادمها ازمة أخرى.

الواقع الأخير يجعل من صناعة القرار أمرا شبه مجهول بتراتبيته، التي تشبه آلية التعيين المتبعة في سوريا، من اعلى الهرم الى اسفله في كل مؤسسة، وليس العكس كما يفترض ...لنصل إلى ثلاثة أسئلة جوهرية تصب في خانة التغيير: من يصنع القرار، من يختار صناع القرار..والاهم من يحاسب؟

آلية انتقاء صناع القرار تشكل قضية رئيسة، أمام عدم وضوح آلياتها وضبابية بعضها، مايجعل آلية صناعة القرار محكومة بتغيير هيكيلة الإدارة، الإدارة التي تتبنى الترشيحات بناء على اعتبارات، ينتظر أن يسقط معظمها مع التعديلات المتوقعة بشأن قانون للأحزاب وما يستتبعه من تعديلات دستورية، بالتالي مفهوم القيادة يفترض الا يقوم فقط على التشاركية، فالأحزاب التي تشكل عقدا اجتماعيا بين المجتمع والدولة، حيث ينتظر منها أن تمثل الشارع السوري بشكل حقيقي وكذلك في مايتعلق بمجلس الشعب، التغيير الأخير يمكن استقائه من التجربة المصرية الحديثة حزبيا والتي بالنتيجة اعتمدت النموذج التركي، مع مراعاة كل ماتحمله كل من سوريا ومصر وتركيا من خصوصية في التاريخ والجغرافيا السياسية.

بالنتيجة آليات الانتقاء القديمة تستدعي تغييرا فكريا و بنيويا جذريا، فالاستمرارية تقوم على التحصين الداخلي تجاه ماتواجهه سوريا، بالتالي لم تعد تنفع الأدوات القديمة وآلياتها التي بعضها يحفظها الشارع السوري عن ظهر قلب ويدركها جيدا بمساوئها قبل محاسنها، وبعضها الآخر مجهول حتى الآن، لكنها تلعب دورها في اطناب الترشيحات وأكثر...التزكيات أو حجبها، ممثلة بحالة من الشخصنة والمزاجية واعتبارات أخرى حزبية و غيرها الكثير مما لم يعد يبرر اليوم أمام الاحداث التي تشهدها سوريا.

ذلك الاتعاظ يفترض ألا يبنى فقط على ماحدث مؤخرا، وانما ربما كان علينا مبكرا الاتعاظ من تجربتنا في لبنان، فالشخصانية لم تصنع تحالفا في لبنان بقدر المؤسساتية اليوم والعلاقة مع حلفاء يستمدون قوتهم من حجم تمثيلهم في الشارع اللبناني فعليا، وتكليف أشخاص بملف لن يغيب المزاجية عنه مهما كانوا موثوقين، فالانطلاقة من الشارع وقوة الحلفاء من الشارع وليس من أشخاص انتهازيين تسيدوا مناصبا بناء على اعتبارات شخصية واخرى مجهولة، وينتظرون ركوب أي موجة مع أدنى تغير في المجريات..

النقطة الرئيسة تنطلق من أسس الترشيح لجعل المؤسسات أكثر موضوعية في خياراتها بدل الاعتماد على شخصنة العلاقات التي قد تطعم خبزا للبعض لكنها حكما لن تؤدي لبناء مؤسسات، بقدر تحويل هذه المؤسسات عن هدفها وتحويها الى مجرد شبه مؤسسة خاصة تأتمر باسم مديرها سواء كان وزيرا أو مسؤولا...

والتجارب السورية غنية في هذا المجال مع تبوأ مدراء بعينهم سدة مؤسسة ما لثلاثين عاما خلت عاثوا فيها فسادا دون محاسبة، ولايخرج اصلاح القطاع العام الصناعي بدوره عن هذا السياق، أمام سوء الإدارة والفساد الذي يجعله ملفا متراكما شديد الحساسية بتبعاته على الداخل والخارج السوري، أمام تكبد الحكومة خساشر تقدر بمليارات الليرات السورية نتيجة سوء التخطيط والإدارة... مرة أخرى السؤال من يحاسب صناع القرار و...يعيد النظر في المؤسسات التي قامت بتزكيتهم؟

المفارقة هنا انه لطالما اتحفتنا بعض المؤسسات بانجازاتها، ولطالما وجهت تلك المؤسسات اعتبارات شتى وضعتها كعناوين عريضة لتحكم العمل الصحافي وتمنع صحفا وتحجب أخرى، تحت ذرائع مختلفة، لكن السؤال المفترض بتلك المؤسسات مواجهته، ألم يخل سوء الترشيح لمناصب ما أو بعض القرارات التي صدرها بعض الموظفين ’بغض النظر عن مناصبهم’ بالامن القومي والوطني والغذائي وغيره...مع ايماننا بكل نواياهم الحسنة سلفا، والحوادث في التاريخ السوري أكثر من أن تذكر...والمطلوب اليوم اصلاح هذه المؤسسات التي تشكل مفصلا رئيسا في صناعة القرار واختيار صناع القرار، وهذا لا يحقق إلا بتغيير الادوات والعقليات وتوفر اعلام حر وقضاء مستقل ومنع تغول السلطة التنفيذية...وهي ألف باء الحكم الرشيد.