الكاتب : نجيب نصير

طلب مني الزميل في جريدة تشرين عمار أبو عابد أن أكتب رأيا حول الإصلاح الثقافي والإعلامي المرتجى، وقد فعلت، ولكن سؤال دار في خلدي حول الثقافة الاجتماعية التي ينتجها المجتمع بنفسه لنفسه، أو ليست بحاجة إلى إصلاح هي الأخرى، خصوصا أن الدولة (أية دولة) لا تستطيع إنتاج هذه الثقافة وتلقينها لمواطنيها على الرغم من مقدرتها على التأثير بطريقة ما، إلا أن وفي النهاية هناك أداء اجتماعي يصدر عن ثقافة اجتماعية لا يمكن التعويل عليه إلا بالمعايير العقلانية، حيث تبدو المعايير الأخرى من الأكثرية أو من احترام الخصوصية أو احترام التقاليد والخ، غير صالحة لا لمجتمع ولا لدولة تريد أن يكون بلدها غير خاضع لابتزاز الحاجة من قبل الآخرين.

اليوم تعيث في البلاد ثقافة اجتماعية أنتجها المجتمع كما استورد جزء كبير منها من بلاد العمالة البترودولارية، لا تستقيم مع معايير العقل والمصلحة، فعلى سبيل المثال البلاد التي تطعم ستة ملايين قبل وهلة من الزمن كيف لها أن تطعم 23 مليونا من نفس الموارد البدائية، حيث يبدو الفارق فادحا مع التناسل الهوجائي الذي يجتاح التنمية، في تعبير فاضح عن عدم اتساق الثقافة الاجتماعية المصرة على الإنجاب بكميات غير محدودة مع معايير العقل التي تقيم إمكانيات البلد؟ لتبدأ الهجرة نتيجة تكدس طلبات العمل ليظهر الاستيراد الثقافي أيضا بأسوأ صوره معيدا إنتاج تخلفا فائض عن الحاجة وقادر على الانخراط في دوامة الفساد المؤدية الى انسداد في التنمية، لأن الفساد مسألة التهامية لا تبق ولا تذر ليتحول الفساد نفسه الى جزء من الثقافة الاجتماعية، تدافع هذه الثقافة عنه ساهية عن كوارثه المدمرة .

تبدو الثقافة الاجتماعية كركن أساس في تلقي وتقبل الإصلاح، لإن الأداء الاجتماعي يبدو كسلسلة مترابطة في المجتمع (دولة ومواطنين) ولكن كيف السبيل لإحلال المعايير العقلية لقياس جدوى هذه الثقافة الاجتماعية؟
لا يبدو الرقيب أو الحسيب بقادر على تحويل نتائج ممارسة ثقافة اجتماعية على هذا النحو، الى ثقافة اجتماعية، إلا باتضاح صورة الإنتاج المطلوب، فالانفلات التناسلي (مثلا) يؤدي إلى إنقاذ أيدي عاملة بدائية، ناتجة عن نقص الاهتمام التربوي والتعليمي، (وهي مشاكل حقيقية وجدية) كما يزيد من استهلاك الرعاية الصحية، كما أنه يفتت الملكية الزراعية والصناعية، الخ بالإضافة الى انحدار في مستوى الثقافة العامة التي تذكي الوجدان في تفاعل الفرد مع مجتمعه، ولكن لا مجال لتداخل اجتماعي أو حكومي في هذه المسألة أو أمثالها وذلك ناتج عن تخوف من خلخلة الثقافة الراكدة وردة فعل معتنقيها (وهنا استعملنا مثال واحد فقط).

إذا هل نستمر في المأزق؟ والى متى؟ أعتقد أننا أصبحنا بحاجة الى خلخلة هذه الثقافة ولا بأس من الصدمات، فمهما كان الانزعاج من هذه الخلخلة سوف يبقى أهون وأكثر قابلية للحل من الانسداد المجتمعي المؤلم.