الكاتب : حسان عبه جي

محت أحداث عصر أمس في محافظة حمص معظم الصور التي قدمها يوم الجمعة الماضي، فالتظاهرات على فوقها أزيز الرصاص، فيما تم التأكيد مرة أخرى على وجود من يطلق الرصاص باتجاه قوى الأمن والجيش في المنطقة، وعلى ما يبدو فإن "المتظاهرين" و عدد من المحطات الفضائية لم تنتظر انتهاء العطلة الرسمية وحكمت بشكل مباشر على القرارات بأنها "مجرد وعود".

ورغم دموية الحدث بالأمس فإن بعض المصادر تحدثت عن قنوات حوار جديدة في منطقة حمص وريفها، وأن من يقودها مكلف من أعلى الجهات لاستيعاب الحدث رغم أنه تطور سريعا خلال ساعات مساء أمس، وحسب نفس المصادر فإن منطقة حمص تكتسب حساسية كونها منطقة التقاء جغرافي ليس فقط بالنسبة لسورية بل أيضا بوابة باتجاه لبنان، وهو ما يستدعي استيعاب الحدث بأسرع ما يمكن، علما أن منطقة الأحداث التي تم الإشارة إليها بأسماء القرى مثل "تل بيسة" متصلة مع المدينة، وأن أهالي تلك المناطق لا يتظاهرون فقط في مناطقهم بل ينزلون أيضا إلى قلب المدينة.

وفيما تضاربت الأنباء حول عدد القتلى لكن المؤكد أيضا أن عددا منهم من قوات الأمن كما أن هناك جرحى من الجيش، وتطرح مدينة حمص من جديد تساؤلات حول مسألة "الإصلاح" وهل وصلت الرسالة أم أنها بقيت حبيسة الإعلام ومؤسسات الدولة التي باشرت أعمالها بحكومتها الجديدة صباح هذا اليوم، لكن تحليل المحتوى بالنسبة لمجمل الأحداث كما تناقلتها وسائل الإعلام تطرح ثلاث نقاط أساسية:

الأول هو بقاء الحملة الإعلامية من قبل بعض المحطات الفضائية على حالها بل هي في تصاعد، فمحطة الجزيرة نقلت خبرا عن تقييم الموقف قام به "اتحاد علماء المسلمين" وهو بزعامة الشيخ القرضاوي، وفيه هجوم واضح وإيحاء بحالة مذهبية بالكامل، فيما لم تهتم باقي القنوات بهذا الخبر، بينما تم التركيز على أحداث السويداء بالدرجة الأولى لدلالاتها سواء بالنسبة ليوم الجلاء أو حتى لطابع سكان منطقة جبل العرب.

الثاني هو اتضاح مشهد إقليمي داخل الأزمات الداخلية، فتصعيد اللهجة السعودية ضد إيران ليس بعيدا عن اتهامات توجه بنفس الصيغة تحاول الإيحاء إلى تدخل إيراني ومن قبل حزب الله ضد المتظاهرين في سورية!! وهذه الاتهامات وإن كانت لا تأخذ على محمل الجد من قبل الشارع السوري لكنها تشكل صورة إقليمية تحاول رسم "خط الاستبداد" وفي سياق له علاقة بتوازن القوى في المنطقة.

الثالث هو بداية طرح إعلامي من قبل بعض القنوات السورية غير الحكومية إلى مسألة التقارير التي تتحدث عن أدوار خليجية أحيانا وعربية أحيانا أخرى بالأحداث الجارية اليوم، فمسألة التحريض الإعلامي اتسعت عمليا لتتخذ شكل "التحريض السياسي".

في النهاية تبدو عملية ضبط الأسلحة القادمة من العراق مسألة ليست ثانوية في مجرى الحدث السوري الذي يقدم ثلاث خطوط أساسية: الأول مرتبط بحدث داخلي محض ربما دفعته الظروف الإقليمية إلى الظهور بشكل سريع، لكنه في خط ثاني يتشابك مع جملة مصالح إقليمية دفعت البعض بعد الحدث، وربما قبله، إلى محاولة التعامل معه بشكل ربما يقود باتجاه تغير في السياسة الإقليمية وليس فقط في الوجه السياسي الداخلي لسورية، وأخيرا فإن الخط الثالث متصل بالصورة السورية أساسا، وربما لا علاقة له بالحدث الأساسي الذي حرك الاحتجاجات السورية أساسا، فهناك رغبة حتى من قبل المعارضة في الخارج السوري على رسم ما يحدث على سياق يتلاقى مع "الأزمة الليبية"، لكن هذا الخط يبدو الأضعف على الأخص أن ردود الفعل الدولية حتى اللحظة ماتزال محدودة.

لا شك أن عيد جلاء مختلف حيث يبدو الرهان أساسا على المجتمع السوري، سواء ممن يرغبون في تفتيه أو حتى في التأكيد على قدرته على تجاوز كل المسائل باتجاه مستقبل سيكون مختلفا بالتأكيد عن أي ماض قريب أو بعيد.