الكاتب : مازن بلال

صناعة الحدث السوري تبدو أكثر المساحات غموضا في هذه اللحظة، فإجراءات الحكومة تسير باتجاه بينما تحاول الاحتجاجات أثبات أن لها مسارها الخاص، وخارج هذين المسارين هناك مساحة ناقصة لم يملأها بعد احد، بينما كان من المتوقع أن تكتظ تلك المساحة بالفعل الشبابي أو النخبوي، على الأخص أن الحدث يسير في مسار خطر، ولا يمكن تجاهل أنه يحمل معه رؤية تحريضية في بعض الأحيان.

طوال شهر كامل وبغض النظر عن الانتقادات التي توجه للدولة وجهازها الأمني، أو تلك التي ترتد باتجاه المتظاهرين، كان هناك حراك سياسي خجول في مقابل حزمة إصلاحات حكومية هي في الحقيقة لا يمكن أن تكون مجرد قرارات، لأن بداية تطبيقها ستحمل الكثير من التداعيات وربما المحاولات كي تصبح هذه الإجراءات على أرض الواقع.

سننحاز بشكل تلقائي إلى نوعية الفعل الإيجابي الذي كان من الممكن أن يظهر في ظل شهر كامل من الحدث، وربما انتظر البعض أن يفرز هذا التحرك تياراه الخاص، لكن الواقع يتحدث عن استمرار التظاهرات بشكل يوحي في كثير من الأحيان بعبثيتها فالآلية الحالية تدفع باتجاهين:

الأول إنهاك الجهاز الحكومي، وربما لفت نظره إلى مساحة العنف وليس إلى المطالب الحقيقية سياسية كانت او اقتصادية، فهل تسعى التظاهرات إلى اقتناص تنازلات إضافية من الدولة؟ ربما تفكر بهذا الاتجاه لكنها في المقابل غير قادرة على استثمار أي من التنازلات طالما أنها تعمل في إطار الدفع للتظاهر فقط، وطالما أيضا لا يساندها "حشد جماهيري" بكل ما تعنيه كلمة الحشد من معنى، فالمسألة ليست تسجيل نقاط ضد السلطة السياسية أو حتى تصفية حسابات معها مهما كانت الجهة التر تريد هذه التصفية، لأن الدفع باتجاه تطبيق الإصلاحات يحتاج اليوم لفعل منظم وليس لاحتجاجات تبدأ ولكن لا نعرف طريقة انتهائها.

الثاني استنزاف اجتماعي حيث علينا الاعتراف بالواقع لأن الديمقراطية ليست إجراء أو قرارا سياسيا، وهذا الأمر هو الذي دفع بعض المحللين لاعتبار التظاهرات أنها محاولة لدفع "الطبقات الوسطى" للخروج للشارع... ولكن هل خرجت هذه الطبقة؟

إن مراجعة خارطة التظاهرات تضعنا أمام احتجاجات في المناطق التي نادرا ما تحوي طبقات وسطى بل أكثر من ذلك هي مناطق احتكاك مذهبي بالدرجة الأولى، وحتى لو تحدثنا عن افتعال التظاهرات لكنها بالفعل تصاعدت بفعل محاولات خلق نوع من كسر التواصل في هذه المناطق، وهو بالمناسبة تكتيك استخدمته حركة الأخوان المسلمين سابقا، لكنه اليوم يطفو على السطح مترافقا مع احتجاجات من المفترض أن تلتزم الجانب السياسي بالدرجة الأولى... هل كانت الدولة مسؤولة عن هذا الأمر؟ الإجابة هنا تبقى تكهنات والسؤال بذاته يشكل فخا استخدمته الفضائيات ربما هروبا من الاستحقاق الذي يواجهه المجتمع السوري، فالمهم اليوم اقتناص اللحظة للتفكير بالمستقبل ورسم الصورة التي يمكن فيها الدخول من بوابة أي حراك سياسي أو اجتماعي ممكن كي لا تصبح المرحلة الحالية مجرد أزمة عابرة، على الأخص أن الدولة تعتقد أنها قدمت ما يلزم، بينما لم يقدم الطرف الثاني أي شيء باستثناء الشعارات الأساسية المرفوعة بشأن الحرية.

ما هي الصورة القادمة؟ على النخب الثقافية فتح هذا السؤال مع الأجيال الشابة... وعليها تحليل المحتوى لحزمة الإصلاحات ومعرفة هل هي كافية أم لا بدلا من ترك الأمر لتقدير الفضائيات وشهود العيان والروايات... على الأجيال السورية خلق بيئة تواصل اجتماعي حتى ولو كانت "الفيس بوك" لتقدير الموقف بدلا من التحرض على الاحتجاجات أو شتمها أو حتى تسجيل مواقف.... هناك يأس من التظيمات والوجوه السياسية القديمة فهل بالإمكان البحث من جديد بالمستقبل... سؤال برسم النخب والأجيال الشابة.. وبرسم محاولة إيجاد بيئة نستند إليها للمستقبل.