الكاتب: نضال الخضري

لمجرد التباهي تبدو بعض التعليقات خارجة عن السياق، فأنا منذ اللحظة الأولى سأبقى أقف إلى جانب الشباب سواء كانوا متظاهرين أو عشاق أو معتكفين في منازلهم، أو حتى مدافعين شرسين عن حقهم في قول ما يردون على صفحات الفيس بوك.. والمسألة حتى اللحظة ليست واضحة بالنسبة لي، لأنني عندما أرى تعليقات الشباب على الفيس بوك فإنهم يثيرون قلقي كونهم يسجلون مواقف وليس آراء، وهم أيضا مستعدون لأن يكونوا أشرس من أي سلطة في قمع الرأي الآخر، وفي النهاية فإنهم أحيانا ينسجمون مع ثقافة حالية منتشرة بكثرة وهي الاستهزاء أو السخرية بما هو حولهم.

لا شك أن الأزمة الحالية فتحت لنا مجالا أوسع لرؤية شرائح شبابية مختلفة، وبما أننا على صفحات الفيس بوك فقط فمن الصعب معرفة كم تمثل هذا الشرائح من مجموع الشباب السوري، لكن المهم أنها كانت قادرة على التعبير وتبقى صيغة التعبير ربما مضمونه، ويمكن أيضا قراءة حجم الانتقال في تصور ما يحدث أو القفز على حواجز تقليدية قيدت الشباب في الغالب... هل هناك جديد في التوجه الشبابي؟

سؤال على الإعلام الصادق أن يدخل في عمقه، وهو يحتاج لأدوات بحث واستقصاء تتجاوز أي مادة رأي، وربما تنصب في سياق التصور المستقبلي لسورية، فما حدث قبل أكثر من شهر لم يكن نافذة واحدة لها طابع سياسي، فهناك خريطة بدأنا باستيعابها وقراءتها، فخريطة "التظاهرات" ليست عبثية" وربما تقدم مفتاحا لمعرفة أفضل داخل الخارطة السورية، أو حتى مقياسا لفهم مدى نجاح تجاربنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مسألة الشباب اليوم مطروحة بشكل دائم ليس لأنهم قادوا احتجاجات، فحتى اللحظة يبدو أئمة المساجد أكثر حضورا من ممثلي الشباب، بل لأنهم مرتاحون جدا على مساحة الإنترنيت، وهم يعبرون أحيانا عن هواجس وأحيانا أخرى عن ثقافة تبدو في بعض وجوهها خطيرة لأن فيها نوع من تجاهل الآخر، ربما لغرور بأنهم "قادوا ثورة" رغم أنني أملك شكوكا في أن من يتواجدون هم أنفسهم من ينزلون إلى الشارع، فالبعض يملك يقينا خاصا بأن الأمور تم حسمها، لن أتحدث لصالح من، وهم يقعون في نفس التفكير المطلق الذي يعتبر أن الاضطرابات أو الاحتجاجات أو حتى الثورات يمكن أن تصل إلى نهايات حتمية.

داخل الإنترنيت آلاف من الشباب، وأخطر ما حدث أننا لم نملك تيارا شبابيا فهناك "نشطاء" من الشباب، على نفس قياس "النشطاء السياسيين"، لكن هذه الصورة يجب أن لا تبقى طويلا لأن "هؤلاء النشطاء" يعتقدون أنهم اختصروا المسافة وفي الحقيقة أنهم يضعون أنفسهم في خانة عدم الفعل، فحيوية الشباب يمكن أن تحركهم في مساحات مختلفة وهو الأمر المطلوب اليوم وليس التوقف عند نقطة تكرار المطالب السياسية، وربما عليهم عدم تجاوز هذه المطالب ولكن في المقابل البدء بحديث إضافي من أجل تراكم الخبرات بدلا من التحصن بالمواقف.

بالتأكيد أعرف أن الشباب أوسع من تلك المساحات التي فرزتها الأزمة الحالية، وأتوقع دائما وجوه جديدة تظهر فتقدم لنا أفقا لم نفكر به سابقا أو تدفعنا إلى الدهشة من قدرة تلك الأجيال على الإبداع.