الكاتب : حسان عبه جي

بقيت مدينة درعا تستقطب المظاهرات والاحتجاجات، فيما سُجلت تظاهرات محدودة في مدينة حلب، بينما نقلت صحيفة الوطن السورية أن هناك محاولات جرت في حمص لاقتحام مسجد خالد بن الوليد من قبل عناصر لم يتم تحديدها، وتأتي هذه التطورات مع دعوات على الفيس بوك لتظاهر يوم غد تحت عنوان "الجمعة العظيمة"، وذلك في مقاربة لاحتفالات الجمعة العظيمة والفصح.

ويعتر عدد من المراقبين أن الأسبوع القادم سيشكل الاختبار الحقيقي ليس فقط لأداء الحكومة السورية والقرارات الإصلاحية التي اتخذتها فقط، بل أيضا لطبيعة الحراك السياسي الذي يمكن أن يحدث نوعا من التحول في المشهد السوري الحالي، فبعد أكثر من شهر فإن بعض المصادر في العواصم الكبرى تتحدث أن ردود الفعل الدولية مازالت تقف عند نقطة "المراقب"، حيث تبدو التصريحات حذرة في وقت يتجاوز فيه الإعلام الغربي تحديدا هذه "النقطة" ويقدم سيناريوهات متعددة أغلبها يدور حول التداعيات التي يمكن أن تحدث في حال انهيار المؤسسات السياسية السورية، وتفسر نفس المصادر الموقف الأوروبي والأمريكي بناء على ثلاث معطيات أساسية:

الأول عدم وجود تقديرات حقيقية لطبيعة التظاهرات، فالإعلام يملك رهانات مختلفة عن رهانات السياسيين، ودوائر القرار في العواصم العالمية تعرف تماما حجم الاحتجاجات وتقوم بمقاربات أكثر علمية، ومن جانب آخر فإنها لا تملك معلومات دقيقة حول الاتجاهات التي تحكم المحتجين، وهذا الأمر يفسر تجاهل وزيرة الخارجية الأمريكية لمسألة "الاتجاهات السلفية" التي أعلنت عنها الحكومة السورية، واكتفت بالدعوة لوقف العنف تجاه المتظاهرين.

الثاني هو أن الإدارة الأمريكية تحديدا ترى فيما يحدث داخل سورية وفق السياق الحالي أمرا يساعد على التأثير على سورية حتى ولو لم تعلن موقفا واضحا إلى جانب المحتجين، فما يجري يدخل في عملية "إنهاك" و "إرباك" للسياسة السورية وذلك بغض النظر عن أي مطالب داخلية للشارع السوري، فالسياسة الأمريكية عموما منحاز للمعارضة السورية بشكل مسبق ومنذ إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، وهي تدفع مساعدات تعبر عن موقف واضج حتى ولو كان المتظاهرين في سورية لا يملكون اتصالا بها أو حتى لا يصلهم من هذه المساعدات أي شيء، فمسألة دعم المعارضة أمر في الآلية السياسية وليس في المواقف المعلنة التي تحتاج لترتيبات لم تتوفر ظروفها حتى الآن.

ثالثا عندما اعتبرت الولايات المتحدة وعبر وزيرة خارجيتها قبل شهرين تقريبا أن ما يجري في الشرق الأوسط هو اعصار، فهي لم تكن تقدم وصفا بل تصورا لمستقبل المنطقة، وحسب مصادر أوروبية فإن هذا الموقف الأمريكي حكم وبشكل واقعي السياسة الأمريكية تجاه ليبيا واليمن، فهي لا تريد الدخول في مغامرات سياسية في زمن "الإعصار" الذي ياتي غالبا بما هو غير متوقع، أما بالنسبة لسورية فهي تملك قنوات مراقبة وتحليل مختلفة لأن دمشق تصب فيها محاور الأزمات الشرق أوسطية، وربما تعتبر أن الدور التركي أساسي لأنه يستطيع أن يتحرك على محور دمشق ليس لوقف التظاهرات بل على الأقل لاستيعاب نتائج أي تحول، وبالتالي فإن الموقف الأمريكي لا يتريث بل يريد خلق تراكمات داخل السياسة السورية نفسها بحيث يكون قادرا في المستقبل للتأثير على مجريات الأمور وعلى بوابة الأزمات.

الانشغال بسورية بالنسبة لواشنطن أمر معقد، وبالنسبة للبريطانيين أيضا فإنه يملك حساسية نظرا لتجارب السياسة الغربية وعلى الأخص بعد احتلال العراق، فخارطة القوى ليست مجهولة في سورية ولكن من الصعب التحكم بها، لذلك فإن معظم الاهتمام ينصب على المعارضة في الخارج التي ستبقى بعيدة عن الانهاك والاستنزاف بحيث تبدو في موقع إعلامي قادر على رسم صورة من وراء البحار، ورغم عدم وجود ثقة مطلقة بهذه المعارضة من قبل واشنطن أو لندن لكنها الرهان الوحيد بالنسبة لها طالما أنها تتحرك من بعيد وتريد أن تشتت الأزمات من سورية في ظل حدث أطلقت عليه كلينتون "الإعصار".