الكاتب : مازن بلال

رغم أن التحركات السياسية كانت متوقفة كأي يوم جمعة في سورية لكن الأمر لم يقتصر فقط على التحرك الداخلي، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما تحدث عن ضرورة عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين، وعن مساعدة إيرانية تجاه سورية رابطا بين البلدين في مسألة التحديات الداخلية، ورغم أن تصريحاته تجاه ما يجري لم تكن تحمل معها أي جديد على صعيد الموقف الدولي، لكنها في المقابل قدمت تصورا لرؤية الولايات المتحدة بشأن خط الأزمات الحالي.

وبحسب مصادر أمريكية فإن السيناريوهات بالنسبة لسورية مازالت متحركة، وهي لم تحمل حتى اللحظة أي جديد بشأن النتائج التي ستسفر عنها التظاهرات، وترى نفس المصادر أن واشنطن منذ بداية الأزمة في سورية تدخلت بشأن التصريحات الخاصة بمسألة مطالب المتظاهرين، لكنها في نفس الوقت لم تقم بتصعيد لهجتها وأنها ترى أن انهيار الخط السياسي لسورية يمكن أن يعزل إيران عن أي ساحة عربية.

هذه الرؤية الأمريكية يمكن قراءتها محليا عبر نقطتين أساسيتين:

الأولى هي التأثير على "السلوك السوري" في مسألة المظاهرات، ومن الممكن في هذه الحالة التأثير على المعارضة في الخارج على الأقل، فهي تشكل "الدينمو" الإعلامي.

الثانية هي عدم رغبة واشنطن في تكرار تجربة العراق بشأن تولي "المعارضة في الخارج" قيادة البلاد، فهي حتى اللحظة تراها مصدر إحراج، لكنها لا تجد بدائل سياسية على مستوى الداخل السوري، فالفوضى في سورية ستعني في النهاية حالة كارثية للمنطقة ككبل، وهناك من تحدث عن أن التحول السوري سيغير مجرى الشرق الأوسط، ولكن السؤال ما هو طبيعة التحول؟

بالتأكيد ليس هناك إجابات إلا فيما يحدث داخليا، فما حدث أمس ربما لم يكن يتوقعه حتى أكثر المتشائمين للوضع السوري، فما جرى هو محاولة "فرض" عصيان مدني، والتحول باتجاه إحداث خلل على صعيد "التحكم" بكل المفاصل السياسية وحتى الأمنية، فالاحتكاك تطور سريعا باتجاه العنف، وحتى مع اتهام قوى الأمن باستخدام العنف وإطلاق الرصاص، فإن محاولات المتظاهرين فتح الطرقات "عنوة" لم تكن مظهرا سلميا للتظاهرات.

المواقف السياسية بقيت عند حدود الشعارات والتحليل السياسي جاء بشكل مبكر من الخارج، بينما بقي المتظاهرون عند حدود الفعل الذي بدؤوا منه عبر الخروج إلى الشوارع في عدة مناطق، وما يجري عمليا يمكن النظر إليه من خلال:

•- عدم القدرة على رسم "خط سياسي" لأن رفض الإصلاحات لا يعني وجود مشروع بديل، والهتافات التي ظهرت في بعض الأحيان بشأن "إسقاط" النظام" لا تقدم البدائل المتاحة علما أنها مطلوبة حتى ولو لم يكن هدف المتظاهرين بهذه الصورة الانقلابية.

• على الصعيد الحكومي يمكن الحديث اليوم على "رزمة الإصلاحات" في كونها إجراءات لم تصرح الدولة إلى أي خط يمكن أن توصلنا إليه، رغم أن الإيحاءات كثير، وهو ما يعني أن الساحة السياسية يجب أن تظهر في بيئة مختلفة لا علاقة لها بفعل التظاهر فقط، ولا بمسألة الإصلاح رغم أن "الإصلاح" نفسه يتيح هذه البيئة.

الغائب الوحيد الغائب هو "الصوت السياسي" الذي يمكن أن يريح المجتمع، فيقدم له طبيعة المسار الذي تريده الدولة أو المتظاهرين، فالتحركات الحالية للمتظاهرين لا بد أن تؤدي إلى تماس ليس فقط مع الأجهزة الأمنية بكل مع كل جهاز الدولة، لأنها تريد فرض صوتها بطريقة واحدة فقط: التظاهر والتظاهر فقط