الكاتب : نضال الخضري

أنطلق دون الشوارع التي خلت فجأة، أو بدت محاصرة في مشهد آخر وكأنها تقف دون حدود الفوضى، ففي الجمعة العظيمة يسكن الكلام أو تتبلور رؤية خارج المنطق... ماذا حدث؟ بالتأكيد ليس مظهرا إعلاميا... بالتأكيد ليس رغبة بالقتل... وبالتأكيد ليست تظاهرات تنطلق وكأنها نوعا من اكتساح المساحات...

هل ينفع العقل في زمن التهور... هي ليست جرأة طالما أن التظاهر يسير دون ظل سياسي معروف وواضح، لكنني سأقف عند كلمة "التهور" لأنها قادرة على الانتشار إذا لم نجد ظلا سياسيا نقف فيه مهما كان نوعه شرط أن يكون داخل الوطن في جغرافيته التي نعرفها وبدأنا نحفظ تفاصيل فيها كانت غائبة عن الذاكرة، فلا يكفي أن نغني صبحا ومساء مع أناشيد فيروز أو تراتيل بقيت في داخلنا لأن السماء فوقنا مفتوحة وهي لن ترسم لنا أي غطاء آخر سوى حقيقتنا.

المذهل في التظاهرات أنها تداهمنا يوم الجمعة... فتبدو مثل تحفيز بأن الراحة ممنوعة وأن البقاء يمكن أن يصبح مرهونا بقدرتنا على فهم "التهور"، لأنه يبدو من بعيد كعاصفة تحدثت هيلاري كلينتون عنها إلا أنها "برزت" فجأة دون أن نحضر لها أو نفهمها، فمن يتظاهر وجدها فجأة أمامه ومن يريد استيعابها بدت أمامه دون أن تترك مساحة للتفكير.

نحن نتحدث اليوم عن سورية بخارطة ملتبسة... نتوقع شيئا ويحدث آخر... ونحاول أن نبدأ من جديد لكننا نجد أن النقطة التي نقف عندها تكبر وتكبر دون أن نتجاوزها، وفي النهاية لا نحتاج إلى أصوات إضافية من الإعلام بل فقط، لأن "التشكيل السياسي" مهما كان هو أكثر وضوحا من "التظاهر" ومن متاهة شبكات التواصل الاجتماعي، وهو أيضا يستطيع أن يرسم أكثر من صورة لسورية ويضعنا في فضاء مختلف نستطيع فيه تأسيس بيئة قادرة على السير.

لا أخاطب أحد.. وربما أتكلم مع نفسي في ذروة الحدث... فعندما نصبح أسرى للحراك الشعبي والإعلامي فإننا نفقد حتى القدرة على بناء تواصل منطقي، ولا يفيد اليوم البكاء على أطلال الماضي فمن يتحمل مسؤولية ما يحدث هو نحن ونحن فقط، لأننا تخيلنا أننا قادرون على ترك كل مساحات الوطن دون إنتاج.. دون حركة تحاول أن تجعل من الإنسان رمزا، فهل يكفي أن نلوم أنفسنا.

أخاطب نفسي من جديد لأن المحنة تمر وكأنها خيال عابر، لكن الحقيقة هي أنها تحفر فينا ندوبا لا يمكن أن تزول، وتجعل من قلوبنا بوابة للجميع، فإذا لم نستطع البحث من جديد فإننا سنبقى عند نقطة واحدة: متظاهر وهناك من يتصدى له... مطالب في مواجهة إصلاحات.. قدر لا يمكن تجاوزه إلا بكسر كل الاحتمالات... كسر الصور النمطية لكل شي... إذا استطعنا ذلك عندها نكون كسرنا حاجز الخوف... حاجز الخوف ليس تحديا يكسره المتظاهرون... بل نكسره داخل أنفسنا حتى نعرف المسار.