الكاتب : نضال الخضري

مرارة بالطبع لأن أي مواجهة هي في النهاية دم يسيل منا، ومهما كان الخطأ أو الصواب فإن الدم ينهي تلك العلاقة الحصرية والثنائية، ويجعلنا نعيد الحسابات في الوطن، ففي مسألة الضحايا تنتهي كل المساحات الفاصلة ويصعب بعدها التفكير بأن من سقطوا يمكن تصنيفهم إلى متظاهرين أو رجال أمن، وتصبح المحاسبة عبثا وقراءة المشهد تدخل مساحة رمادية.

لا يمكن أن أقرأ القضية وفق ساحة معركة فيها بريء ومذنب، ففي كل الحالات هناك ساحة وطن واحدة، وهي تتحرك فينا مهما كانت توجهاتنا أو رؤيتنا، وكلما ازداد عدد الضحايا من أي جانب زادت القناعة أن غياب السياسة هو المسؤول، وأن الحل الأمني الذي نسمعه في الفضائيات هو نتيجة ضيق المساحة المتركة للسياسة كي تنطلق من مجرد "التحليل" على الفضائيات إلى العمل المدني القادر ليس فقط على ضبط الأمور بل ومراقبة الإصلاحات وإعطائها الأبعاد التي يمكن أن تؤثر في ظهور حياة سياسية متكاملة.

حتى اللحظة سار الحدث السوري باتجاه الدم، وسار ضمن "معركة" تبدو في خطوطها صعبة التفكيك لكنها كشفت فراغا حقيقا في عملية التفكير للخروج من الأزمة، وبينت أن مسألة التكاسل وترك الأمور تسير وكأنها مستقلة دون مؤثرات سيوصلنا حتما إلى مكان علينا أن نبحث فيه عن حلول بـ"الجملة".

لكن الأمر يتعقد أكثر كلما طال الزمن، حيث يبدو من الصعب البحث فقط عن صور من الواقع الحالي، لأنه يفرض نفسه ثقيلا وربما مكبلا بالكثير من المعطيات التي لن تفيدنا فهل نحن قادرون على التخلص منها؟! الأمر الغريب أن ما يحدث يحمل ضغطا قاسيا على الحياة، حيث يبدو إيقاعها وكأنه تجربة من "الكر والفر" داخل الأزمة، والاتكاء على الفعل الإعلامي فقط، ربما نريد تعويض العمل من خلال صور المذيعين والضيوف الذين يعيدون رسم المشهد لنا قاتما أو مضيئا، لكن علينا بالفعل أن نفكر بالعمل لأنه وحده القادر على انقاذنا من هذه الوحشة المفروضة علينا.

الدماء ليست رخيصة.. هي ليست بازار للفضائيات ولتصريحات السياسيين، لأن عليهم الخروج إلى الشارع من أجل العمل بدلا من ترك المظاهرات تسير باتجاه لا نعرف نهايته حتى اللحظة، وعليهم أيضا أن يراهنوا على الشعارات التي رفعوها سابقا من خلال العمل، وربما على من يعمل في "التظاهر" أن يدرك أن المسألة ليست مباهاة في "عدد المتظاهرين"، لأن المباهاة الحقيقية هي في البرامج السياسية وتقديم "الرؤية" التي يراها بعد أن عرفنا الشعارات، فكل نقطة دم تسيل ليس مسؤول عنها من أطلق النار فقط بل أيضا من ترك الأمور تسير إلى هذه النقطة، فالسياسة إذا بقيت بعيدة أو مختفية سنبقى نخاف من "العطل الرسمية"، وستصبح أعيادنا محاصرة بالكآبة....
المسيح قام... حقا قام.