الكاتب : حسان عبه جي

قدمت استقالة نائبين في مجلس الشعب ومفتي درعا صورا لمحاولة محاكاة "النموذج اليمني" هذه المرة، وبالتأكيد فإن إعلان الاستقالة على قناة فضائية معينة يحمل دلالات واضحة على نوعية السيناريو المقترح إعلاميا على الأقل، لكن التطورات الأمنية بقيت على الأرض عاملا حاسما في تأجيج "الحرب" التي تجري من خلال الأخبار وتضاربها، لتضيف إلى المشهد السوري حالة من "عدم الوضوح" في الفضائيات ووكالات الأنباء، فمن ضاحية برزة ووصولا إلى مناطق الغوطة (دوما سقبا جوبر وكفر بطنا) يبدو المشهد مقلقا، وذلك على امتداد أيام ثلاث كان أولها "الجمعة العظيمة" التي حرمت بعض شرائح المجتمع السوري من الاحتفال بعيد الفصح.

أكثر الأسئلة تعقيدا داخل المشهد السوري مرتبطة بالرهان على الزمن سواء بالنسبة للمتظاهرين أو حتى للحكومة والدولة، فهناك تعامل مع أيام جمع متتالية يتبعها "عطل رسمية" بحكم الأعياد التي جاءت تزيد المشهد إرباكا، فالواضح أن "التظاهر" يتحرك مستفيدا من مسألة "العطل" الرسمية لإضفاء حالة من الاضطراب والترقب، ويبقى الإعلام في مثل هذا الأمر سيد الموقف في ظل عدم الاحتكاك نتيجة بقاء الموظفين في القطاعين العام والخاص في المنازل، وهناك ملاحظتين هنا:

الأولى أن الاستغلال الأمثل للإعلام يظهر في بقاء الفضائيات المصدر الوحيد لما يجري على مساحة سورية، فهناك استنفار إعلامي لمدة ثلاثة أيام كلا أسبوع، ولن ينتهي هذا الأمر إلا مع بداية شهر أيار... مصادفة غريبة لكنها لعبت دورا في رسم حركة الاحتجاجات في سورية.

الثاني مرتبط بنوعية القلق المطلوب أن يظهر داخل المجتمع، ربما لتأكيد أن الدولة غير قادرة على التحرك، فالحكومة الجديدة لم تستطع ممارسة مهامها الحقيقية، وفي المقابل لم تقم نفس الحكومة باستنفار جاد، أو لم تعلن عنه، نتيجة الظروف التي تمر بها البلد، فشعور المواطنين بتواجد الحكومة والدولة يدفع الحركة الاحتجاجية على الأقل بالاتجاه نحو السياسة بدلا من تركها مساحة للفوضى.

بالنسبة للزمن أيضا فإن رهان المتظاهرين على أن الدولة تفقد المبادرة يوما بعد يوم، وهو تفكير يدفع السيناريو المرتقب نحو نقطة "الحل الأمني" فقط، لكن الدولة وفق بعض المؤشرات تعتبر أن الاختبار الحقيقي لتدخلها السياسي والإداري لم يدخل حيز التنفيذ طالما أن الإجراءات على الأرض لم تظهر نتيجة استفادة التظاهرات مما يمكن تسميته "الوقت المستقطع" لفترة الأعياد، واستغلال عيد الفصح بالذات يراه البعض يحمل دلالات خاصة، لأن ما حدث لم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة التنوع السوري، ويدل على تفكير خاص حتى ولو أراد منظمو التظاهرات تبرئة أنفسهم والإيحاء على أن "الجمعة العظيمة" هي يوم وطني، فما حدث يضع على الأرض حالة مناقضة مهما اختلفت الروايات أو تبادل الاتهامات، فحتى فالثورة المصرية كانت تعطي فرصة للمواطنين كي يلتقطوا أنفاسهم، وتركت للحراك السياسي مجالا حتى عندما تم رفضه من قبل المعتصمين في ميدان التحرير، رغم أن الثورة المصرية لم تستمر أكثر من ثلاثة أسابيع (18 يوما).

السؤال اليوم لماذا لم يراقب المتظاهرون طريقة تطبيق الإصلاحات؟ وهي متطابقة مع شعاراتهم في البداية، وهل تأخر الدولة في إقرارها مبررا لعدم ترك مساحة سياسية؟ السؤال ينبع من نوعية الأزمة التي وصل إليها الطرفين، فالمتظاهر لم يعد يعد يملك سوى الخروج إلى الشارع لرفع سقف المطالب، وهذا "السقف" يرتفع أتوماتيكيا مع انعدام برنامج سياسي، وربما دون التفكير بأن كسر حاجز الخوف لا يكفي لبناء مساحة ديمقراطية، فالرهان المصري والتونسي على سبيل المثال كان على "جيش" موجود خارج الحياة السياسية وبعيدا أيضا عن الأزمات، والرهان نفسه كان يستند إلى حياة سياسية معطلة إلا أنها بنيتها موجودة، فهل هذه الرهانات هي نفسها في سورية؟ هذا السؤال يعرفه الجميع حتى ولو سكتوا عنه، فتاريخيا ومنذ الاستقلال كان الجيش في سورية مجال الصراعات السياسية، وهو منذ عام 1970 جزء من التكوين السوري العام، فأين سيقع رهان المتظاهرين؟ وهل بالفعل يملكون سيناريو متكامل أم أنهم يسيرون جمعة بجمعة.... تتبع صفحات الإنترنيت على الأقل يوحي أن الاحتمال الثاني هو الأقرب.