الكاتب : سورية الغد

فيما بقيت الأخبار من درعا غير واضحة، فإن الإعلام الرسمي السوري أعلن عن مزيد من الشهداء في صفوفه نتيجة "هجمات مجموعات مسلحة"، ووردت أيضا تقارير غير مؤكدة عن استعداد الجيش أيضا للانتشار في مدينة بانياس.

وتأتي التطورات الأمنية في موازاة تحرك سياسي دولي يحاول إصدار بيان من مجلس الأمن يدين "قمع التظاهرات" و "قتل المحتجين"، رغم أن التصريحات الفرنسية وحتى البريطانية جاءت لتؤكد انه من الصعب تكرار السيناريو الليبي بشأن سورية لأن الظروف مختلفة، لكن التحرك الأخطر جاء من المؤتمر الذي عقد في اسطنبول تحت عنوان "لقاء اسطنبول من أجل سورية"، فهو أكد عبر تصريحات منظميه رغبته في أن تغير الحكومة التركية من سياستها تجاه سورية، وهو ما يعزز المحاولات القائمة من أجل تغيير الخارطة في المنطقة والاستفادة من الأحداث الجارية، وحمل المؤتمر بشقه الداخلي محاولة لحشد مشهد إعلامي يجمع "الطيف المعارض" في الخارج، لكنه في نفس الوقت لم يقدم تصورا كاملا أو مشروعا حول مستقبل سورية.

اللافت أن المؤتمر سار في مساحة حساسة جدا ما بين "التظاهرة الإعلامية" وتحقيق "الحشد السياسي"، فمحاولته إضفاء مساحة "علمانية" على بعض الحضور حملت معها مؤشرات واضحة لمخاطبة طيف السياسة التركية بكاملها، بينما كان الحضور الأكثر وضوحا سواء من حيث الأسماء أو التواجد هو للتيار الديني، ومع عدم وجود مؤشرات كافية بشأن العلاقات السورية - التركية ومدى تأثرها بالأحداث الجارية، لكن مصادر مطلعة في العاصمة التركية اعتبرت أن ما يجري يشكل اختبارا لا يرتبط بالعلاقات بين البلدين بل بنوعية الدور التركي المستقبلي، وعلى الأخص بعد الحدث الليبي.

عمليا فإن الوجه المرتقب للشرق الأوسط بعد الحدث السوري يمكن أن يحمل معه تحولا حادا يمكن النظر إليه من خلال:

المنظومة الإقليمية التي تبلورت بعد احتلال العراق وشكلت قاعدة لاستيعاب نتائج هذا الاحتلال، حيث شكلت كل من دمشق وأنقرة وطهران زوايا مختلفة تحملت كل التداعيات التي نتجت عن انزياح العراق من الخارطة الإستراتيجية للمنطقة، وظهور الولايات المتحدة بمثابة "دولة جوار" لكل من تركيا وإيران وسورية. لكن هذا النموذج الإقليمي طور أداءه باتجاه محاور مختلفة وعلى الأخص ما قامت به تركية باتجاه الصراع العربي - الإسرائيلي أو الملف النووي الإيراني، ويأتي الحدث السوري اليوم ليضغط على هذه المنظومة وربما يسعى إلى تغير شكلها وحتى أدائها.

طبيعة التواجد المصري بعد الثورة، فليس خافيا أن الفراغ السياسي لمصر تم تعبئته بأشكال مختلفة، لكن تركيا وخلال العقد الأخير مثلت الدور الإقليمي الأبرز، وإذا كانت مصر اليوم لا تستطيع استعادة منافذها الإستراتيجية القديمة بشرعة، لكنها بالتأكيد لن تتوقف عن محاولة استرجاع دورها ولو بشكل بطيء، وهو ما يدفع المنطقة إلى توازن جديد ربما تظهر في سورية اليوم كمفصل أساسي.

بالتأكيد فإن دمشق ليست متمسكة بحالة توازن قديم، لكنها في نفس يمكن ان تحدد خياراتها الجديدة على ضوء التطورات الإقليمية بشكل عام وليس فقط على إيقاع ما يجري داخليا، لكنها أيضا لا تريد إهدار التكوين السياسي الذي قدم خلال السنوات الماضية حالة إقليمية متطورة، ويبدو الاختبار الحقيقي في الاتصالات الجارية بين دمشق والقيادة التركية حول ما يحدث في المنطقة عموما.