الكاتب : جورج حاجوج

إذاً، فليخبرنا أحد من مدّعي الحرص على حياة سوريا والسوريين وحريتهم عمّن يقف وراء استشهاد عناصر الجيش السوري في محافظة درعا؟!.. الأرقام تتحدث وحتى لحظة كتابة هذه السطور عمّا يزيد عن أربعين شهيداً عسكرياً خلال اليومين أو الأيام الثلاثة الماضية، والأهم أن جنازات تشييعهم جميعاً قد عرضت على شاشة التلفزيون!.

ليخبرنا أحد من مدّعي الحرص على نشر الديموقراطية والحريات عمّن قتل هؤلاء العسكريين وسفك دماءهم؟!.. هل المطالبين بالإصلاح وبالحرية وبرفع حالة الطوارئ وبقانون أحزاب وبقانون إعلام عصري وحرية إعلامية أكثر عصرية وبمحاربة الفساد هم من فعلوا ذلك؟.. لا يظن عاقل أنهم هم من فعلوها.. هل الذين قرؤوا وسمعوا وشاهدوا حزمة الإصلاحات والاستجابة للمطالب والتي أعلن عنها في الأيام الماضية هم من فعلوا ذلك؟.. أيضاً لا يظن عاقل أنهم هم من فعلوها.

من فعلها إذاً؟.. ومن امتلك القدرة على سفك دماء الشباب السوري من العسكريين والمدنيين؟.. ننتظر أن نسمع الجواب من مدّعي الحرص على سوريا وشبابها ومستقبلهم، وسوف نقبل بأية إجابة حتى ولو جاءت عبر أثير "الجزيرة أو العربية" شرط ألا تكون إجابات على طريقة شاهد العيان الذي يعلن أن القتلى بالمئات، لكنه وفي الوقت نفسه يبدأ حديثه بأن لا أحد يجرؤ على التحرك في شوارع درعا!.. من أين له إذاً أن يشاهد ويحصي "مئات القتلى" وهو الذي لا يستطيع أن يتحرك؟!.

ننتظر وبترقب أن نسمع إجابة حتى ولو جاءت من "الجزيرة أو العربية" وسوف نقتنع ونقبل بها، شرط ألا يقولوا لنا إن العسكريين الذين استشهدوا في اليومين الماضيين في درعا، قضوا جميعاً بذبحات قلبية!.. سنقبل إجابتهم شرط ألا يستخفّوا بعقول وبمشاعر الجميع ويقولوا لنا إن العسكريين الذين استشهدوا قضوا بسبب الرياح أو الأمطار أو السيول أو خلال نزهة كانوا يقومون بها!.

ليس غريباً أن يقدم لنا هؤلاء أجوبة من الفصيلة المذكورة أعلاه أو مما يشبهها من أجوبة.. وليس غريباً أن يستعين هؤلاء بغرف عملياتهم لطبخ وتوضيب أجوبة من الفصيلة نفسها.. وفي أحسن الأحوال، وإذا كنا محظوظين، ليس غريباً أن يتجاهل هؤلاء كل الشهداء العسكريين من الجيش السوري على اعتبار أن التلفيق والنفاق والتهويل هو جزء مما هو مبيت ليس تجاه السلطة في سوريا، إنما تجاه سوريا الوطن وسوريا المجتمع.

لنعترف أن أكثر المتفائلين من المعارضين والموالين، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، مروراً بالوسطيين والمعتدلين والمحايدين وحتى المغرضين، لم يكن يتوقع أن ترفع حالة الطوارئ وتلغى محكمة أمن الدولة العليا و.. و.. بهذه السرعة وهذه الاستجابة.

لنعترف على الجهة الأخرى أن حزمة الإصلاحات التي أُعلن عنها، والحزمة الأخرى التي ترشح الأخبار عن الإعلان عنها قريباً، أحرجت كثيرين ممن يتلطّون خلف مطالب الإصلاح والتغيير والحرية وهي مطالب محقّة على أية حال، ووضعتهم في موقف هم لا يرغبون به، وبالتالي صار المطلوب عندهم إحراج السلطة وإرباكها، وخصوصاً أمنياً، ومنعها من المضي في مسار التغيير والإصلاح.

على ما يبدو، وحسبما كشفته الشعارات التصعيدية، وحسبما شاهد الجميع كيف تسير جنازات تشييع شهداء الجيش جنازة خلف جنازة، وكيف تسير جنازات تشييع الشهداء المدنيين جنازة خلف جنازة، ليس المطلوب اليوم ـ من وجهة نظر هؤلاء ـ الإصلاح أو التغيير، إنما المطلوب الخراب والعبث والدمار والدخول في الأنفاق المظلمة التي لن تؤدي إلا إلى خسارة الجميع من أبناء سوريا وعلى مختلف أطيافهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية.