الكاتب : مازن بلال

تجاوز التحرك الدولي تجاه سورية أمس أي حدث داخلي، فمع فشل مجلس الأمن إصدار بيان رئاسي لإدانة "قمع المتظاهرين" فإن الأوروبيين صعدوا باتجاه مختلف عبر استدعاء بعض الدول لسفرائها، ثم بدأ التلويح بالعقوبات الاقتصادية، وكان اللافت الموقف الفرنسي الذي ظهر بشكل واضح كون باريس شكلت البوابة التي دخلت منها سورية قبل ثلاث سنوات، وشكلت بداية حقبة جديدة من العلاقات السورية مع الاتحاد الأوروبي.

عمليا فإن التلويح بالعقوبات لا يحمل فقط "طابعا إعلاميا" لزيادة مساحة الضغط ضد دمشق، فالمعروف أن سورية أوقفت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من عام، وهو ما يجعل من مسألة العقوبات مسار جدل حول تأثيرها على المدى القريب، لكن الواضح أن التلويح بها موجه أساسا للجوار السوري سواء الأردن او تركيا أو حتى لبنان، فهو موقف سياسي يهدف لدفع تلك الدول نحو إعادة تعاملها أو رسم مواقفها من جديد، وإذا كانت الأردن تنظر بحذر لما يجري في سورية، فهي تشهد شكلا يشابه في بعض وجهه الحدث السورية، لكن تركيا على ما يبدو تتعامل وفق حالة تعكس نوعا من التفضيل داخل الخيارات المتاحة، فهي بنت علاقة إستراتيجية مع دمشق، ولكن في نفس الوقت تملك حسابات داخلية وحزب العدالة والتنمية يملك تراثا إسلاميا، ومن الصعب كسر هذا التوجه في مرحلة التحضير للانتخابات.

ويبدو الموقف التركي على محك متعلق بمجمل العلاقات الإقليمية وليس فقط العلاقة مع سورية، فعلى أرضه تجري تحركات وإن كانت غير رسمية لكنها غير مسبوقة وهي تحمل معها طابعا واحدا يرتبط بـ"المعارضة السورية" في الخارج، كما ان إستراتيجية "فرض التوازن" الذي وضعها وزير الخارجية التركي عبد الله غل هي أيضا في دائرة الاختبار، لأن التأثير على سورية اليوم لن يخلو من تداعيات كثيرة وربما غير محسوبة، إلا إذا كانت تركيا تعرف تماما نوعية السيناريو القادم، لكن هذا الأمر وحسب تقارير القادمة من تركيا مستبعد.

في المقابل فإن التوجه الأمريكي واضح تماما عبر ربطه وفي كافة التصريحات ما بين علاقة دمشق بطهران والاحتجاجات التي تدور، ورغم ان مثل هذا الربط لا يبدو معقولا إلا انه في السياسة يدخل في إطار تكريس الحسابات المستقبلية، فهو إشارة لدمشق تعني أولا وأخيرا احتمال عقد "صفقة" حول هذا الموضوع، فينتهي الضغط الدولي وربما التغطية الإعلامية، فور تغيير السلوك السوري تجاه إيران، وهو رسالة أيضا إلى الشرق الأوسط ككل بأن الإستراتيجية الأمريكية لديها رسم جيوستراتيجي يحمل خطا فاصلا ما بين إيران والدول العربية.

ميدانيا فإن الحدث الأمني هو الحاضر داخل المجتمع بانتظار يوم غد، فالجمعة لن تشكل افتراقا حقيقيا برأي الكثيرين، رغم التحركات الأمنية وربما الاجتماعية التي قامت بها الدولة والحكومة لاستيعاب أي تطور، فبعد أكثر من شهر تبدو الحلول الآنية الصعبة، بينما يتجه الرهان نحو إيجاد خط استراتيجي بعيد المدى يعتمد على تكريس ما ستقدمه الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والملاحظ أن مسألة الرهان على الوقت أساسية بالنسبة للسلطة السياسية وحتى للمحتجين، فبينما تسعى الدولة إلى تمكين قراراتها وتنتظر النتائج، فإن حركة الاحتجاج تعتمد على إرباك المؤسسات الرسمية، وربما الخاصة، وعلى التحرك الدولي وقدرته على رسم مسار مختلف، فاخفاق مجلس الأمن في إصدار بيان رئاسي يشكل مؤشر على مسألة الوقت، لكن المعارضة في الخارج تبحث على ما يبدو إلى كسب معركة عربية أيضا عبر مجلس الجامعة العربية... لكن تلك التحركات تشكل محالة لإيجاد نقاط تطابق مع النموذج الليبي تحديدا وهو أمر يبدو أن مساره يحتاج لمراجعة.