الكاتب : سورية الغد

لم تتوقف الاحتجاجات في يوم ((جمعة الغضب)) رغم أن عددا من المراقبين لاحظوا أن الظاهرة المرافقة لعملية "التظاهر" بدأت تأخذ منحى مختلف، فعلى الساحة الافتراضية انخفض بشكل ملحوظ حجم الرسائل في التويتر، كما تراجع حجم فلفات الفيديو المرفوعة على اليوتوب، أما في الفيس بوك فهناك توجه نحو استقصاء الأخبار بدلا من تسجيل المواقف حول ما يجري.

في المقابل ظهر التحرك السياسي الدولي بشكل مختلف فمسألة الإعلان عن عقوبات تجاه سورية اتخذ موقعه كموقف سياسي وآلية للتعامل مع سورية، فهو يأخذ مكانه في المشهد المستقبلي من الشرق الأوسط، ومؤشرات حظر بيع الأسلحة من الدول الأوروبية لا تعني بالضرورة بيع السلاح مباشرة، فسوريا أساسا لا تستورد السلاح من أوروبا، ولكنه يعتبر نوعا من محاولة الإغلاق على دمشق، وتحريك الجهات الدولية لمراقبة تسلحها، وربما ضغط على روسيا بهذا الخصوص، على الأخص أن دخول المجلس الدولي لحقوق الإنسان على الخط السياسي سيخلق واقعا يمكن من خلاله الدخول إلى بعض تفاصيل الملف السوري، ورغم أن قرارته وفق الخبرة السياسية بقيت دون فاعلية على الأخص فيما يتعلق بفلسطين، وبقيت أيضا مجال مقايضات سياسية كما حدث في تقرير غلدستون، لكنه في لحظة الراهنة ربما يشكل "غطاء شرعيا" بالنسبة للرأي العام يبرر أي تحرك سياسي مستقبلي.

والزاوية الأخرى لمسألة العقوبات تدخل في مرحلة ما بعد حركة التظاهر، فالموقف الدولي غالبا ما يتحول إلى إجراءات تؤثر في النهاية على الحركة العامة تجاه سورية، لأنها ترسم حالة حذر عامة تخلق في النهاية بيئة تعقد الأمور بالنسبة للدولة والحكومة وربما للمؤسسات الخاصة الاقتصادية وحتى الثقافية، فالمؤشرات الدولية تسير عمليا وفق اتجاهين:

الأول يخلق قطيعة على المستوى السياسي العام بين بعض الدول في العالم وسورية، في محاولة لتجاوز أي مشهد سابق لمراحل الاحتجاج، وتتحدث بعض المصادر عن أن مثل هذه الإجراءات تهدف بالدرجة الأولى إلى إرباك القرار السياسي من دمشق، وتقليص الدور الإقليمي في محاولة لكسب أوراق إضافية داخل الأزمات المحيطة بسورية وعلى الأخص في لبنان او فلسطين، فمثل هذه العقوبات ستدخل في إطار تضييق المساحة السياسية المتاحة أمام دمشق، وإتاحة المجال لأدوار سياسية لدول عربية أخرى.

الثاني محاولة خلق تطابق ولو افتراضي بين الوضع السوري والإيراني على وجه التحديد، فإدخال سورية في مساحة مغلقة من قبل أوروبا والولايات المتحدة سيخلق حالة سياسية مختلفة عما شهدتها المنطقة في مراحل سابقة، وهو يمثل نوعا من التراجع عن اعتبار سورية مدخلا لأي حل مرتبط بالعلاقة بين إيران والجانب العربي، ووضعها في موقع واحد مع مواقف طهران، لكن هذا الأمر وحسب بعض المصادر يحتاج لوقت طويل ويصعب تحقيه فقط بإجراءات سياسية من جانب واحد بل ربما يجب التأثير على النظام العربي ككل حتى يظهر موقف عربي يساعد على خلق مثل هذا التطابق.

إعلاميا فإن الموضوع الأبرز كان مراقبة الحدود السورية، والحديث عن مسألة "نزوح" لم يتحقق بنفس الصورة التي أرادها الإعلام، فالحركة بقيت بطيئة إلى اعتيادية دون تسجيل حالة من التحرك الواضح بحيث يتم تسميته "نزوح" أو "لجوء" إلى الجوار الجغرافية لسورية، لكن الملاحظ أن استخدام هذا العنوان الإعلامي أخذ مساحة واضحة وربما تكون ضرورية لإعطاء الأزمة أبعادها الحقيقية في سورية، فبدون النزوح لا يمكن الوصول إلى "أزمة داخلية" متكاملة ولا إلى "صراع" داخل سورية، ورغم أن الموضوع بقي إعلاميا إلا انه حظي على ما يبدو باهتمام على مستوى "الإعلام الدولي" على أقل تقدير.

داخليا فإن هناك مبادرات على المستوى الشعبي تم الإعلان عنها من مدينة حلب على وجه التحديد، وهي لا تحمل أي طابع سياسي لأنها تهدف إلى خلق تواصل مختلف بين المحافظات لتأكيد الترابط الاجتماعي، حيث تهدف هذه الحملة للقيام برحلة تصل إلى المناطق الأكثر توترا ابتداء من درعا وانتهاء بمدن الساحل السوري.

يبقى أن الخارطة السورية التي تشهد تلك التطورات على المستوى الشعبي فإنها لم تشهد حراكا سياسيا يواكب ما يحدث رغم أن المجتمع لا يشكل طرفا محايدا، فالمتابع لصفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت يلاحظ التطور اللافت في عملية التعامل مع الحدث، وهذا الحراك الافتراضي ربما يحتاج إلى قراءة مختلفة حتى يتم وضعه بشكله الواضح والصريح داخل المشهد السوري العام.