الكاتب : نضال الخضري

هل انتهى "وهم" بن لادن؟ وحين أقول وهم فإنني لا أنكر "أفعال الرجل" أو أقواله، ولا أنتقل إلى فضاء الروايات الكثيرة التي ظهرت عنه، سواء تلك التي تتحدث عن كونه عميل أمريكي، أو صنيعة المخابرات، أو القصص التي تضعه في مساحة الجهاد المقدس، فالمسألة بالنسبة لي هي "الزمن" الذي أنقضى منذ أحداث أيلول 2001 وحتى اليوم، وحجم السياسة المبنية على "وهم الإرهاب" كما تصفه أو تعرفه آليات السياسة الدولية.

مسألة الوهم بحد ذاتها تشكل على ما يبدو طرازا سياسيا ليس بعيدا عن أحداث نعيشها اليوم، فعندما نضع "الوهم" امامنا تكثر الروايات وتضارب، وربما ينقسم الشارع حول الروايات وليس حول المستقبل، فكما تم تقسيم العامل وفق "وهم بن لادن" أو "افتراض الإرهاب" تشكل مسألة "الحدث السوري" حالة من الانقسام في مسألة الرواية فقط، ومثل هذا الانقسام يشكل حركة دون نتائج، لأن الروايات غالبان ما تنهار من الذاكرة، على الأخص أنها تعبر اليوم عن ظاهرة إعلامية فقط.

لكن الوهم في الموضوع السوري له أبعاد جديدة، فنحن خلال الأزمة شهدنا قراءات وتحليلات حول "سورية"، وأغلبها اتخذ الطابع السردي ليؤسس مسار لا نعرف هل يطابق معايير الدراسات، على الأخص أنه اعتمد أيضا "السرد الحدثي" محاولا بناء خيوط تتقاطع ما بين سرد عقد كامل من تاريخ سورية، واتجاهات تاريخية لهذا البلد الذي عاش مراحل مختلفة، وبعضها الآخر يستند لملاحظات مجموعة على عجل حول طبيعة المجتمع السوري، أو حتى تحركات "طبقته الوسطى" ليصل إلى مسارات تحاول فقط أن تنسف "الرواية الرسمية" للحدث الحالي.

المسألة اليوم ليست في الرد على الدراسات، لأن أي شكل من التفكير بسورية خلال الأزمة هو عمل مهم، لكن في نفس الوقت يجب أن لا يبقى في نقطة واحدة، فنحن ربما نسينا أن الدولة شأنها شأن المجتمع تتمتع بحيوية وعلينا قراءتها بشكل دائم، وأن مسألة "الاستقرار" أو "الثبات" لا تعني في أي حال أن الديناميكيات الاجتماعية ونتائجها على المؤسسات يمكن أن تستقر أو تثبت.

كل التحليلات أو الدراسات التي صدرت خلال الأزمة الحالية على سورية يجب أن لا نغلق عليها في دائرة "الوهم"، لأنها وحدها تعطينا طريقة تفكير الآخر بنا على الأقل، أو تقدم لنا صورة لجانب أساسي في الحراك الفكري تجاه سورية، وسواء اختلفنا مع ما يكتب أو اتفقنا لكنه يحتاج إلى "التحريك"، أي جعل التفكير بسورية السياسية والاقتصادية والاجتماعية يتحرك نحو السطح حتى نستطيع تحديد الاتجاهات المستقبلية.

قسوة الزمن الذي يمر على سورية بكل ما يحمله من الدماء ربما يملك ميزة واحدة: فوسط الوهم الذي يرسمه الإعلام مهما كان مصدره، لكن التفكير بهذه الجغرافية ظهر أيضا خارج "الوهم"، وربما علينا أن نقرأ وبكافة الأدوات المعرفية هذا "السياق" السياسي الذي أدى لظهور "سورية" على مسرح الحدث منذ بداية القرن الماضي وحتى اليوم.