الكاتب : مازن بلال

فيما استفاقت معظم المحافظات السورية على أخبار مقتل بن لادن، لكنها بقيت مشغولة بالحدث الداخلي، فخفت عدة الأخبار وتراجع العنوان السوري في النشرات الرئيسية للفضائيات، لكن الملاحظ أن التصريحات الفرنسية بقيت الأكثر صعودا، وذلك مع حديث وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه عن أن "القمع سيؤدي لسقوط" النظام حسب تعبيره، والملاحظ أن التركيز الإعلامي أمس تمحور على "أنباء عن اعتقالات"، وعلى الأخص بعد أن طالبت الجزيرة الكشف عن مصير صحفية تعمل لديها تحمل الجنسيتين الأمريكية والكندية وهي من أصل إيراني!!

على الأرض لم تسجل حوادث تذكر باستثناء الاعتصام النسائي ظهر أمس الذي طالب بفك الحصار عن درعا، لكنه انفض سريعا ولم تبلغ منظمات حقوق الإنسان السورية عن أي اعتقالات في صفوف المعتصمات، وجاء هذا التحرك في وقت أكدت المصادر الرسمية السورية أن الإمدادات التموينية تصل إلى درعا وأن العملية على وشك الانتهاء، في وقت اجتمع فيه الرئيس بشار الأسد مع فعاليات ووجهاء من دير الزور، كمنا التقى للمرة الثانية وفدا من علماء دمشق.

ووسط المشهد السوري العام فإن مسألة التركيز الدولي على ما يحدث ربما تشكل مسارا مختلفا، فهي تبدو خارج حركة التماس ما بين الدولة والمجتمع سواء فيما يتعلق بالعملية الأمنية أو حتى بالاتصالات التي يقوم بها الرئيس شخصيا مع العديد من الفعاليات، وهي على ما يبدو تأخذ حتى اللحظة محورين أساسيين:

الأول فرنسي مرتبط مباشرة بعملية الرصد الخاص لمسألة "قمع الاحتجاجات" حسب التصريحات التي صدرت عن أكثر من مسؤول، واللافت هنا هو ان فرنسا تحاول إعادة ترتيب علاقاتها الشرق أوسطية من خلال الحدث السوري، ويشكل هذا الموقف محاولة عودة واضحة إلى منطقة الأزمات وعلى الأخص في لبنان، وهي في نفس الوقت لا تعتمد في رسم آلية سياستها على نمط تقليدي اعتمدته سابقا من خلال حلفائها في لبنان، بل تمارسه بشكل مباشر، وتتحدث المصادر الفرنسية عن أن السياسة الفرنسية تعتبر أن المرحلة السابقة في علاقتها مع دمشق لم تؤد إلى دخول فاعل في المنطقة، رغم حزمة المشاريع التي قدمتها وعلى الأخص "الاتحاد من أجل المتوسط" المهدد عمليا بالدخول في مرحلة روتينية أو حتى سبات عميق، وهو ما يفسر حدتها في مسألة ليبيا ومن ثم سورية، رغم اختلاف الظروف في كلا البلدين، حيث تحاول التصرف من منطق "مشاريعها" في حوض المتوسط، وبأنها تملك إرثا في العلاقة مع هذه الدول وعلى الأخص سورية.

الثاني المحور التركي الذي لا يملك نفس آلية التصادم مع "السياسة الداخلية" السورية، لكنه يعبر دائما عن قلقه وربما تخوفه ويصدر النصائح باستمرار باتجاه سورية، ورغم أن التصريحات التركية متباينة وتعكس أحيانا نوعا من الاختلاف حول "تصور" السياسة تجاه سورية خلال تلك الأزمة، لكن الأكيد أن أنقرة ترى نفسها معنية مباشرة في كل التطورات، وهي أيضا تعتبر أن التأثيرات السورية عليها ربما تكون كبيرة، وأن أي رسم لخارطة الشرق الأوسط ستنعكس على الداخل التركي وعلى المرحلة التي بدأت مع صعود حزب العدالة والتنمية.

في دمشق لا يبدو أن الأمر يتجه نحو أي خط يمكن أن يأخذ بعين الاعتبار تلك المخاوف التركية، أو طبيعة النظر الفرنسية لدورها في "حوض المتوسط"، فالمسألة بالنسبة للقيادة السورية يمكن أن تأخذ مساحتها الطبيعية فور عودة الاستقرار واتخاذ "الإصلاحات لمسارها الطبيعي"، ويقدم الإعلام السوري من خلال "إفادات" من اعتقلهم من "المجموعات المسلحة" مؤشرات على أن "العملية الأمنية" موجهة ضد "التحركات المسلحة"، وأن حجم الشهداء من الجيش والقوات المسلحة يحدد بذاته حجم الخطر الموجود على الأرض.

ربما تبدو الهواجس الإقليمية أو الدولية حول سورية مسألة اعتادت عليها السياسة وربما المجتمع أيضا في دمشق، لكن القضية الجوهرية تبدأ في المرحلة اللاحقة عندما يبدأ العمل على رسم السياسة الخارجية مع انتهاء التحرك الأمني ودخول الإجراءات الحكومية بشأن الإصلاح إلى حيز العمل، فالاختبار الصعب ربما يبدأ في تلك اللحظة لأن الأزمة في النهاية ليست مرتبطة بالحدث فقط بل أيضا بالمسار الذي تتخذه وبحركة التفاعل السياسي بالدرجة الأولى.