الكاتب : حسان عبه جي

مع هبوط مسألة مقتل بن لادن إعلاميا، عادث الحدث السوري إلى الواجهة، وتركز حول مدينة درعا التي اتجهت إليها التصريحات، نددت وزارة الخارجية الأمريكية بما وصفته بالإجراءات الهمجية التي اتخذها سورية باستخدام الدبابات والاعتقال الجماعي ضد المحتجين. في وقت نقلت فيه بعض الوكالات تراجع حدة العمليات فيها، كما نقل التلفزيون السوري بعض المشاهد من أحيائها، لكن كل التطورات لم تمنع المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر من إدانة ما أسماه استخدام الدبابات والقيام "بحملة اعتقالات تعسفية واسعة بحق شبان في درعا". وكان اللافت أمس ما تم تناقله عن مسيرة للشموع في مدينة القامشلي، دون أن تسجل احداث تذكر.

ورغم أن بعض الفضائيات نقلت أخبارا متفرقة عن مظاهرات في كل من "المدينة الجامعية في حلب" وحي الميدان في دمشق لكن الحياة في المدينتين كانت طبيعية، والواضح أن نوعية هذه التحركات مختلفة نوعيا عن مثيلتها التي شهدتها سورية عموما، وغلب عليها "التشويش" الإعلامي إن صح التعبير، فبعد أكثر من شهر ونصف يمكن إيجاد نوع من الخريطة العامة لطبيعة الاحتجاجات التي امتزجت بالعنف أحيانا وبأعمال الشغب أحيانا اخرى، فنوعية التظاهرات في منطقة الجزيرة لم تحمل معها "الحدة" التي امتازت بها اجتجاجات حمص واللاذقية وبانياس وبالتأكيد مدينة درعا، وغلب على المناطق الشرقية حركات تقدم مؤشرات للتضامن ويتضح فيها نوعا من التركيز على المطالب أكثر من الرغبة بالاحتكاك برجال الأمن.

وبالتأكيد فمهما كان نوع الحراك الذي شهدته سورية، لكنه في النهاية وسم الواقع السوري يجملة من الأمور ربما سيبقى تأثيرها على امتداد الأشهر القادمة:

الأول أن المدن الرئيسية (دمشق وحلب حصرا) كانت بعيدة عن مجمل الحدث رغم أن ما يسمى بشرارة الاحتجاجات انطلقت من دمشق، لكن هناك إجماع على أن هذا الأمر لم يقم به أهالي دمشق، ولا بد هنا من التركيز على أن هذا الأمر يشير إلى مسألة "الطبقة الوسطى" السورية المتمركزة في المدينتين، وإلى الكثافة السكانية في كل من دمشق وحلب مما يعني أن مسألة "الاحتجاج" تمحورت حول أحزمة المدن في الغالب، وهذا الأمر كان واضحا في مدينة حمص، بينما كانت المدن الساحلية تقدم نموذجا مختلفا حتى عن مدينة درعا، فرغم أن الاحتجاج انطلق من مناطق يمكن اعتبارها "الأقل نموا" لكنه اتخذ طابعا مختلفا كونه حاول ان يجد منفذا دفع المجتمع للحديث عن "الفتنة".

الثاني هو طبيعة تعامل السوريين إجمالا مع الإعلام، الذي وإن دخل لعمق الأزمة لكنه قاد في النهاية إلى صورة ملتبسة، وإذا كانت هناك "حملة إعلامية" فإن الحملة الإعلامية المضادة خلقت مناحا من الشك حول الإعلام ككل الذي أصبح جزءا من حياة الناس وترقبهم، ورسم في كثير من الأحيان صورا متناقضة في تأثيره، لكنه لم يستطع خلق رأي عام واضح الملامح.

الأمر الثالث هو مسألة التقييم الدولي لما يحدث بسورية، فالاحتجاجات إذا نجحت بشيء فهو السعي لكسر الصورة السورية، فمسألة التغطية الإعلامية المكثفة لما يجري غيرت من المشهد السوري، وهو ما يستدعي العودة من جديد لبناء الصورة الذهنية لسورية، فالاحتجاجات حتى ولو لم تنطلق من هذه النقطة لكنها في النتيجة خلقت توازن في مسألة "الصورة" ما بين أطراف الاستقطاب العربي، فهناك محاولات ذهبت باتجاه خلق سورية واحدة لجميع السياسات العربية.

السؤال المطروح اليوم هل يمر اختبار يوم الجمعة القادم دون تأثيرات جديدة؟ ربما يبدو الرهان على أيام الجمعة خاسرا مهما كان الطرف الذي يتبناه، لأنه يشكل يوم انهاك عام سواء للمحتجين أو لكامل طيف المجتمع السوري، الذي على ما يبدو ينتظر فعلا مختلفا حتى ولو بقيت "التظاهرات"، لأن الحراك المدني لا يمكن أن يغلق عليه في إطار التظاهر أو "قمع التظاهر".