الكاتب : سورية الغد

أنباء انسحاب الجيش من درعا ترافقت مع الانتظار الخاص بيوم الجمعة، فالمدن السورية باتت ترى أن هذا النهار يشكل "الاختبار" بالنسبة للمسار الخاص بالحركة السياسية على الأقل، حيث يرى البعض أن نوعية التظاهرات ومسارها هو الذي يقدم الصورة عن طبيعة أي حراك قادم، فبعد احتجاجات تخللها أحداث عنف وضحايا، فإن بعض المظاهرات سارت دون إراقة دماء، لكن المناخ الدولي يبقى العامل الإضافي الذي يدخل بقوة اليوم على مساحة الحدث السوري وربما الترقب الداخلي الذي أصبح قادرا على قراءة معظم العوامل الخاصة بالحدث السوري.

عمليا فإن الأسبوع الماضي تميز ببعض الأمور الأساسية التي ظهرت بشكل لا يمكن تجاهله، فبعد إغلاق عددا من المناطق التي شهدت توترا، وعلى الأخص منطقة دوما والمعضمية، تم إعادة فتحها بشكل قياسي نسبيا، وأزيلت الحواجز من الطرقات الداخلية لها، ومع نهاية الأسبوع تم إعلان انتهاء العمليات من درعا، وهي تبدو نوعا من استباق التاريخ الذي يراهن عليه البعض، فيوم الجمعة يعتبره الكثيرون أنه من الأيام الحاسمة والمتكررة في مسألة تصعيد أو هدوء الاحتجاجات.

خلال الأسبوع الماضي ظهر تشكيل جديد من مسألة الاحتجاج الذي مثلته التظاهرات النسائية المحدودة على الأخص في دمشق، لكن هذا التحرك لم يشكل أي إرباكا داخل الحياة العامة، وهو ما يعطي مؤشرين:

الأول أن مسألة التظاهر ليست بحد ذاتها شأنا مقلقا، لكن طريقة حركتها أو طريقة التعامل معها إعلاميا، أو حتى احتكاكها مع الأجهزة الأمنية هو الذي يدفع إلى ظهور ترقب حقيقي داخل المجتمع ككل، فحجم التحليلات والقدرة الإعلامية الضخمة التي تظهر على مدار الأسبوع تشوش إلى حد كبير من المشهد السوري، الذي بدا وكأنها نوع من ترجيح الاحتمالات بدلا من كونه خيارات داخلية سورية وليس مجرد مواقف يتم إعلانها من على الفضائيات.

الثاني هو نوعية التعامل الإعلامي معها، حيث أصبح مشهد العنف هو الأساس وليس التظاهرة بذاتها، فالهبوط في مستوى التسجيلات التي تبثها الفضائيات، ومن ثم اعتمادها على تكرار التسجيلات القديمة شكل مساحة هامة بالنسبة للمجتمع باتجاه فهم الموضوعية التي يتحدث عنها الإعلام بشكل دائم. فالمجتمع يملك اليوم إمكانية استعادة المبادرة والتحرك باتجاهات جديدة دون أن يكون حق التظاهر هو الخيار الوحيد.

بالتأكيد لا يستطيع أحد الحديث عن يوم غد بشكل اعتيادي، فالترقب سيبقى نتيجة الخبرة المكتسبة من الأسابيع الماضية، لكن في المقابل فإن البحث عن التطورات الممكنة من المفترض أن ينتقل باتجاه آخر، سواء تعلق الأمر بتطوير الإصلاحات أو بتقديم رؤية سياسية مختلفة، أو حتى باتجاه تفعيل حراك سياسي واضح المعالم، واختبار الغد لا يتعلق فقط بقدرة الحكومة على تجاوز الأزمة بل أيضا في قدرة المجتمع على التعامل مع الأزمة السورية بشكل عام على أنها حركة نحو المستقبل وليس مجرد تظاهرات عابرة وربما مستمرة دون أي رؤية جديدة,